ليالي الذكريات في ليلتها المئتان والتاسعة الثمانين

ثلاث زملاء دراسة، ثلاث رفقاء سلاح

مريم رجبي
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2018-3-2


خاص موقع التاريخ الشفوي الإيراني، أقيمت أمسية ذكرى الدفاع المقدس ال 289، عصر يوم الخميس 22 فبراير 2018 في صالة المركز الفني. وشارك في البرنامج كل من داود مولائي وعلي فدائي ومحمد بلوري.

الشضية الذهبية!

تحدث بداية داود مولائي وقال: "أبدأ حديثي عن أمي وهي أمّ شهيد. حين استشهد أخي، جاؤوا إلى بيتنا وقالوا إنّ حسين مصاب وهو في المشفى، إذهبوا لتروه. بعد فترة جاء شخص وقال لي  إنّ حسين استشهد، أحضر صوره، نحتاجها. كنتُ طفلا ولا أعرف معنى الشهيد، ظننتُ أنّ حدث ما وقع وحين جاء أخي، وحدّثته عما جرى، لهذا السبب أحضرت الصور وسلمتها. إذ حين كان أبي وامي في الطريق، ساءت حالة حسن واستشهد. كان بجانب أبي السيد رضا مبيني. حين عادوا، وحين كان أبي غير مستقر، كانت أمي تخفف عنه وتقول له لدينا خمس أولاد واخذ الله منا واحدا، ليست مشكلة، وكأننا دفعنا خمسهم، هي امانة وردت إلى صاحبها.

بعد فترة وبعد ترددي على الجبهة، اتفق أبي وأمي في تلك الأوضاع المتأزمة للحرب، أن يتحدثا معي لأقلل ذهابي للجبهة، أو أنقطع عنها كليا. قال أبي لقد أعطينا ما يكفي من حقنا وذهبت عدة مرات للجبهة وهذا كاف. في فترة العمليات ولدواعي أمنية، تنقطع علاقتنا مع الناس ويقلق أبي وأمي حين يريان صور الشهداء أو الجرحى. وكانت الاشاعات كثيرة ويبحثان في المستشفيات عنا. وتوصلا في النهاية لهذه النتيجة الدخول معي في مفاوضات. قال أبي ما عنده وحاول اقناعي بعدم الذهاب للجبهة. في هذه اللحظة قالت أمي لو ظنّت جميع العوائل أنّهم وفوا دينهم بشهيد وجريح، إذاً مَن سيقف أمام العدو؟ كنتُ قلقا بما أجيب أبي، ولكن أمي انهت القضية.

كنا أنا وبلوري وفدائي في صفّ دراسي واحد. كنتُ مراقب الصف وحين ذهبت للجبهة، جاءا أيضا. كنا معا دائما. بداية في كردستان ثم في بحرية الملح وعمليات والفجر 8.

في الخنق الذي كنا فيه، كانت لديّ قناصة. فقد دخلت دورة تدريبية بينما الاصدقاء لديهم بنادق أتوماتيكية. يستخدم بلوري بندقيتي مساء. يمكن لبندقيتي اصابة طلقات النور التي يطلقها العدو.

كتبت أختي لي تسألني أين أنت بالتحديد؟ ما تكتبه لأصدقائك يختلف كثيرا عما تكتبه لنا!

حين استشهدتَ...

وتحدث علي فدائي قائلا: "مرت عشرة أيام علينا في الجبهة. كنا نلعب كرة القدم الساعة 9 صباحا. فجأة خلى المكان. وجدنا الشباب أمام غرفة العتاد. فانضممنا لهم. فوجدناهم يأخذون هدايا أرسلها الناس لنا. كنت في آخر الصف وأمامي حسن أصلاني. قلتُ لحسن أنا متعب، لنجلس، ومتى ما حان دورنا ينادون عاينا. جلستُ وغفوت. استيقظتُ على صوت حسن وقد حمل هديتي. فتحتها. كان قميص رمادي. وعرفت أنه مستعملا. حاولت ارتداءه فوقعت منه ورقة. لونت اطرافها. واضح أنّ من كتبها طفل في الابتدائية. كُتب في الورقة: "سلام يا اخي المحارب، أرجوك حين تستشهد، قل لأبي أن يحضر في حلمي، اشتقت له كثيرا، حميد رضا عباسي، ابن الشهيد كرم علي عباسي". أثرت عليّ كثرا الرسالة. كنتُ أقرأ الرسالة وأعيد قراءتها. سألني حسن: ما هذا الشيء الذي تقرأه باستمرار؟ قلتُ: لقد استلمتُ تذكرة الشهداة.سألني: ما الذي حدث؟ قلت له: أرسلوا لي دعوة وعرضت عليه الرسالة. بكى حسن حين قرأها. سألته عن سبب بكائه؟ ولم يخبرني، بعد ايام وفي عمليات قائم آل محمد (عج) حين عدنا، رأيتهم يحضرون جسد حسن. جاء إليّ صديقي حميد وأخبرني: هل تعرف أنّ تلك الهدية كانت لحسن وليست لك وقد اعطاها لك؟ كنتَ الأخير وقد انتهت الهدايا. عرف حسن أنّ عليه أخذ الرسالة.

كنا شباب شاهين شهر فضوليين. نستخدم لغة غير مفهومة. في إحدى المرات كنا ننتظر الحاج اسماعيل صادقي قائد الفيلق ومحمد تورجي ليوضحا لنا العمليات. تأخرا فأخذت دور الحاج اسماعيل وحالته الجادة متفوها بكلمات غير مفهومة. والجميع كان يضحك، فجاة سكتوا وشعرت أنّ شخصا خلفي، ليس غير الحاج اسماعيل، حاولت الخروج دون النظر إليه، لكنه نادى عليّ وقال اكمل. واكملت لعبتي وهو يضحك. ومنذ ذلك اليوم كان يضحك كلما رآني.

كان رجلا في الخمسين من عمره وبصره ضعيف اسمه بختياري. أصر كثيرا على الذهاب للجبهة. ورغم أنه لم يدرس إلا القليل استطاع أخذ مكانه في الاسعافات. في عمليات كربلا خمسة عصرا، رأينا رجلا يركض نحونا وهو يحمل يده، وحين وصل إلينا وجدنا يده مقطوعة. في هذه اللحظة كان شاب وسط ميدان الالغام وقد جُرح وهو يصرخ، وكنا نصرخ فيه ألا يتحرك لأنه سينفجر عليه اللغم. فجأة نهض بختياري وركض نحو الشاب حمله وعاد به من بين الالغام. سألته لماذا فعلت هذا؟ فقال صوته يشبه حسين، فسألته أيّ حسين؟ قال: ابني وقد استشهد قبل فترة وبعد غد يمر أربعين يوم على موته. للتو عرفنا أنّ ابنه شهيد".

حول "تاكسي للفاو"

وجاء المتحدث الثالث محمد بلوري صاحب كتاب "سيارة أجرة للفاو" لتحدث عن تجربته: "تشكّل الكتاب حين تقاعدتُ في العام 2007. حين تقاعدتُ كان عمري 39 عاما. وفي نفس يوم التقاعد اقترحت عليّ زوجتي مقترحا جيدا. قالت والآن جاءت فرصة الكتابة عن فترة الدفاع المقدس، على الأقل لأطفالي. كان توأمي في تلك الفترة بأعمار الخامسة. أمسكت القلم وكتبتُ. كتبت وكتبت حتى وصل وقت عمليتي الجراحية، حين استيقظت شعرتُ بألم كبير. كانوا يحقنونني بالمورفين. صباحا، حين استيقظت لصلاة الصبح ووانتهى مفعول المورفين، لم أكن قادرا حتى على التيمم. تمكنت من التيمم بمساعدة زوجتي وصليتُ. كل قلقي كان في عدم اتمام العمل الذي بدأت به.

قضيتُ أربع أشهر نقاهة. ولم اعد استطيع الطباعة بيدي اليمنى. كتبت بصعوبة بيدي اليسرى. سار العمل وإن كان بطيئا. في منتصف نفس العام دخلت الجامعة وعلى حدّ تعبير زوجتي عليّ ترك الكتابة والمتسك بالدراسة، ولكن الله وفقني وانهيتهما. كنتُ ادرس من الصباج للغروب، وأكتب ل 12 ساعة. وانهيت الكتاب الذي من المقرر انهائه في أربع أعوام، بسبع اعوام، لكني لم أتوقف حتى عن ذكر أصغر التفاصيل. انهيتُ الكتاب في 2012 وسلمته بعد عدة مراجعات للمركز الفني في طهران ودار سورة مهر. اعاد السيد محمد قاسمي بور صياغة الكتاب بكل فنية. وحين أخذتُ النسخة قبل الطبع كان فيها ملاحظات عديدة، لكني قلت لهم هذا أقصى ما يمكنني فعل. فقال لي: سجّا وأرسله لي. أرسلت التسجيل الصوتي وكتبته زهراء قاسمي. حتى صدر هذا الكتاب.

أريد العودة بكم 31 عاما، لصيف العام 1986، الاحد الساعة التاسعة وخمسين دقيقة، المكان الشلمجه، نهر جاسم، الضلع الشرقي للبحيرة. نهر جاسم كان مكان صراع بيننا وبين العراقيين. طريقة حصار العدو لنا في تلك الليلة كان يدلّ على أنّ هناك من سرب العلومات.واو تقدم جيشتنا لقُتل عن بكرة أبيه. في تلك العملية، فجأة ارتفع صوت انفجار وكان الشباب يتراجعون للخلف فاهتزت الارض تحتي. شعرتُ بموجة كبيرة ولم اعرف ما جرى. سمعت بصوت انفجار تحت رجلي رفعني عاليا. وقعت على تل ترابي جنوب شرق ميدان الالغام وفقدت بندقيتي... لضيق الوقت لمن يحب اكمال القصة اوصي بقراءة الكتاب".

وقد حضر الجلسة مدير المركز الفنيب محسن مؤمني شرف، ومدير نشر سورة مهر عبد الحميد قره داغي  وعائلة محمد بلوري مؤلف كتاب "سيارة أجرة للفاو".

النصّ الفارسي 



 
عدد الزوار: 3214


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 

الأكثر قراءة

نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة