مكانة "المقابلة الجماعية" في التاريخ الشفوي

مريم أسدي جعفري
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2019-7-13


موقع التاريخ الشفهي الإيراني - حظيت تجارب البحوث وملاحظات الأشخاص المؤثرين في الأحداث الثقافية والاجتماعية والسياسية في شكل تاريخ شفهي بتقدير كبير وأهمية بالغة من قبل مراكز البحوث التاريخية. تشكّل كلماتهم معاً صورة لأحداث مهمة مثل الثورة أو الحرب أو تاريخ المؤسسات والمنظمات. لكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنّ الراوي أحياناً يتعارض مع بياناته أثناء جمع معلوماته ويحاول إبراز دوره بشكل أكثر وضوحاً ووفقاً لذوقه الشخصي. لذا، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان يمكن قبول بيانات الشخص حول حدث كبير بشكل كامل وكممثل لأشخاص فعالين آخرين؟ هل يمكن الإعتماد علي مجرد ما يقوله شخص واحد عن سبب حدوث واقعة جماعية؟

هذا هو المكان الذي يطرح فيه موضوع "التاريخ الشفهي الجماعي". التاريخ الشفوي بمعنى أننا إذا أردنا متابعة موضوع شامل، نقوم بإجراء مقابلة مع عدد كبير من الأشخاص المؤثرين وجمع أقوالهم أو إجراء حلقة نقاش والسماع إلي ما يقولونه. هناك أيضا آراء مختلفة حول هذا الموضوع. يعتقد البعض أنّ المقابلات الجماعية هي فعل من الرقابة الذاتية، بينما يعتقد البعض الآخر أنه يمنع المبالغة من جانب الرواة. وقد دعى موقع التاريخ الشفوي لإيران، في السياق نفسه، إلى وجهات نظر السيد يحيى نيازي والدكتور أبو الفضل حسن آبادي حول المقابلات الجماعية في التاريخ الشفوي.

تطبيق التاريخ الشفوي الجماعي على الموضوعات البنيوية

يقول يحيى نيازي، الباحث والمؤلف في مجال الدفاع المقدس، عن مكانة المقابلة الجماعية في التاريخ الشفوي: "يجب أن نأخذ في الاعتبار نسبة الموضوع إلى الشخص أو الأشخاص، أو العكس، نسبة الأشخاص الذين شاركوا في الموضوع في التاريخ الشفوي. يحدد تأثير الفرد على موضوع ما أو حدث بإجراء التاريخ الشفوي بشكل فردي أو جماعي. لنفترض أنّ الشخص الذي يعمل في نظام أمني أو استخباري، بسبب طبيعة وظيفته، لا يُسمح له أن يُخبر الجميع عما يقوم به. في مثل هذه الموضوعات، لا يطبّق التاريخ الشفوي الجماعي أبداً. لأنّ الآخرين ليس لديهم معلومات كافية عن الموضوع على الإطلاق. ولكن في الموضوعات التي يتأثر فيها الفرد بالموضوع، يُقترح استخدام التاريخ الشفهي الجماعي. الموضوعات البنيوية والقضايا التي فيها تباين في الآراء ووجهات النظر - أي كل شخص يتحدث بشك حول الموضوع – حيث أنه على دراية ببعض جوانب الحدث، وكذلك الموضوعات المتعلقة بالهياكل والمنظمات المختلفة، والفئات التي تكون فيها من المحتمل إمكانية تجاهل أداء  المنظمات، تعتبر من ضمن هذه الفئات المذكورة أعلاه. قد يكون لدى الشخص المحاور ضمن  تاريخ الشخص الشفهي نسبة عالية من التأثير على الحدث، وبالتالي يتجاهل المنظمة الموازية له.

التاريخ الشفوي الجماعي يعني جمع مجموعة من المطّلعين واستخدام ما يمنحوه من معلومات عن الموضوع المركز عليه. ومع ذلك، يقترح إجراء مقابلة مع شخص بشكل رئيسي. أي عند الحديث عن موضوع مثل قضية الحرب، يكون الشخص الذي يلعب الدور الرئيسي، هو محور المقابلة وسيساعد الباقي في استكمال معلوماته. لأننا في التاريخ الشفوي نسعى لاستعادة الحيز العقلي لمن كان يعلب في ذلك الوقت دوراً أو شاهدا على أحداث. يوفر وجود أشخاص فاعلين آخرين بجانبه الفرصة للحصول على تفاصيل مفصلة ومعلومات دقيقة.

في الآونة الأخيرة، نشر كتاب عن التاريخ الشفوي للتنصت في الحرب بعنوان  "الحرب الإلكترونية" في مركز أبحاث الدفاع المقدس والوثائق، والذي يشير إلى عدد من القضايا. لكن نظراً لأنّ الحرب الإلكترونية هي قضية معقدة، ومن ناحية أخرى، تعتبر هيكلية بنيوية أثناء الدفاع المقدس، من هذا المنطلق وللبدء في تغطية جميع التعليقات ووجهات النظر، وتلقي الروايات والمعلومات الدقيقة حول "التاريخ الشفهي للحرب الإلكترونية"، نبدأ في مقابلة  مختصرة مع الأشخاص المطلعين من خلال عقد جلسات. لأنّ الحرب الإلكترونية كانت موضوعاً من قبل، ولم يكن لديها بنية جديدة وموسعة. في هذه المرحلة، تم استخدام قدرة بعض الطلاب في جامعة شريف والقوات القتالية وفيلق الاتصالات المركزي التابع لفيلق الحرس الثوري، حيث كل واحد منهم يعرف أجزاء من القصة. لذلك، ووفقاً للموضوع، سيكون هناك واحد أو اثنين من المطلعين في كل مقابلة. عندما تجمع هذه المعلومات، يصبح لغز هذا الحدث أكثر اكتمالاً. خلاف ذلك، قد نواجه بعض الشكوك وعدم اليقين فيما يتعلق بموضوع محل النقاش، ولا يمكن نقل طبيعة الموضوع واكتشاف طبقاته المخفية. من بين المقابلات الجماعية، أحيانًا تظهر علامات مثل: دفتر ذكريات أو المذكرات المكتوبة بخط اليد للأفراد، أو بيان لمهمة ما، والصورة، وحتى جهاز الاتصال، تفتح عقول الأشخاص الحاضرين في الاجتماع لجعل القصة أكثر دقة والتعبير عنها بمزيد من التفاصيل.

يعتقد البعض أنّ المقابلات الجماعية تؤدي إلى الرقابة الذاتية. لكن قد تحدث الرقابة الذاتية أيضاً في مقابلة فردية. نظراً لأننا نسعى إلى اكتشاف الحقائق التاريخية عبر عقول الأشخاص الموجودين في مكان الحادث ونعتزم إعادة النظر في التاريخ، إذا تمت مقابلتهم خلال محادثة استمرت ثلاث ساعات في جزء أو جزأين خاصين بهم، فسيكون هناك ضرر أقل من اكتشاف القصة نفسها. عندما يكون الناس في مكان مزدحم، فإنهم إما أن يتجنبون الغلو، أو ربما يتخذون خطوات لا يريدون البوح عنها. لذا فإنّ الدراسة والخلفية الفكرية للباحث ومعرفته العميقة بالراوي للموضوع والمغامرات التي حدثت، تكشف الطريق إلى القيام بإجراء مقابلة جماعية. إذاً هنا يصبح دور الباحث كبيراً، ويمكن القول إنّ العبئ الرئيسي يقع على الباحث نفسه".

"المجالسة" تحيي معلومات جديدة وأكثر دقة

لكن لدي الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، الباحث والكاتب في التاريخ الشفوي ورئيس مركز توثيق آستان القدس رضوي، رأي آخر حول هذا الموضوع: "إنّ مناقشة التاريخ الشفوي الجماعي تستخدم في نقل الذكريات ووجهات النظر من فترة إلى أخرى. التاريخ الشفوي متعدد الأوجه يعتبرعلمياً أيضاً. على سبيل المثال، نريد أن نقوم بدراسة مواقف الناس في الستينيات من الحرب أو الثورة. للقيام بذلك، نختار الأفراد من مختلف المجالات والطبقات الاجتماعية، مثل رجال الدين والطلاب والعسكريين والتلاميذ والمدرسين ومن يعملون في الأسواق. يعد كتاب "الزمن الصعب" من أكثر الكتب شهرة في هذا المجال.

يتمثل أحد جوانب التاريخ الشفهي الجماعي في تنفيذ مشاريع الموضوعات الجماعية. في هذا السياق، يتم محاولة دراسة موضوع معين من منظور أشخاص مختلفين. على سبيل المثال، في مشروع للتاريخ الشفهي حول الأسري المحررين في مركز التوثيق والصحافة في أستان القدس الرضوي، تم تحديد المخيمات لأول مرة واختيارها من كل معسكر، على سبيل المثال رئيس البلدية، أصغر وأكبر فرد، من الجيش، وأفراد الحرس الثوري والباسيج، وكذلك تم هذا العمل بشكل واسع علي مجموعة من المخيمات في جميع أنحاء العراق. لأنّ هدفنا كان دراسة وضع الأسرى الإيرانيين في معسكرات مختلفة من أجل تحقيق موقف عام. لا يمكن الحكم على وضع المخيمات العراقية من خلال مقابلة شخص أو شخصين. قد يكون لمعسكر ما، مدرب أفضل أو أسوأ، وبعبارة أخرى، يضع التعامل مع السجناء الإيرانيين تحت الضوء. في نهاية المشروع، حصلنا على انطباعات ونتائج جيدة.

يعتمد مبدأ التاريخ الشفوي على الموقف الجماعي. ولكن عندما تجمع بعض الأشخاص حول طاولة نقاش ما. فأنت في الواقع تقوم بمطابقة المعلومات وتحسينها، فهذا ليس تاريخاً شفهياً! بل قمنا بفعل الشيء نفسه. لكن أولاً، أكملنا المشروع الفردي، وفي النهاية، جمعنا بعض الأشخاص من كل معسكر وقمنا بمقارنة معلوماتهم. هذا "الاجتماع" سيجعل المعلومات الجديدة والتذكيرات أكثر دقة، والذكريات أيضاً تكون حية، وهي تكمل في النهاية المقابلات الفردية.

لا يمكنك إجراء مقابلة جماعية قبل مقابلة فردية. هذا النوع من المقابلة الجماعية في التاريخ الشفوي ليس معيارياً. مقابلة الشخص مع بعض الأشخاص في التاريخ الشفهي أمر غير مقبول. لأنّ مبدأ التاريخ الشفوي يقوم على أساس الموضوع والحوار المتبادل والحفاظ على سرية بعض المعلومات. عندما تجمع مجموعة من الأفراد، لن يتم التطرق إلي كثير من الموضوعات. لا يوجد حديث جاد مشترك، ولا تقدم الكثير من المعلومات غير السارة. ينصح بإجراء مقابلة جماعية، وذلك جنباً إلى جنب مع المقابلة الفردية،  فقط لتوثيق المعلومات ومطابقتها".

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 3051


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة