استعراض موجز علي كتاب "سبعين عاماً من الاستدامة"

أربعة عقود من الذكريات النقية

آوا مجد
ترجمة: حسن حيدري

2019-12-30


إذا كنت مهتماً بالتاريخ وتبحث عن مصدر جيد للمذكرات الشفوية، فيمكن لكتاب "سبعين عاماً من الاستدامة"[1] تلبية ما ترنو إليه. في هذا الكتاب، يروي السيد حسين شاه حسيني مذكراته من عام 1941م إلى عام 1981م، ومن الطفولة حتى بداية النشاطات السياسية، والانضمام إلى الجبهة الوطنية، والسجن أثناء الأنشطة السياسية وحتى إنتصار الثورة الإسلامية، وهو عضو في لجنة الترحيب بالإمام  الخميني (رحمه الله) وقبوله للرئاسة بعد ذلك بفترة قصيرة لمنظمة التربية البدنية واللجنة الأولمبية الوطنية.

الأحياء والتقاليد القديمة

في البداية، قُدّمت له خلفية عائلية، بما في ذلك خلفية والده الحاج الشيخ زين العابدين شاه حسيني. حيث كان مزارعاً، ثم قام بشراء وبيع الأراضي بينما كان تاجراً مرموقاً في مدينة طهران آنذاك. لقد درس الحاج شيخ زين العابدين في مدرسة مروي في طهران، وتتلمذ على يد شخصيات مثل الحاج شيخ عبد النبي نوري وميرزا أشتياني، حيث درس الشريعة وكان على دراية بالفقه والعلوم الإسلامية الأخرى. وكان أيضا رجل دين لمدة خمس سنوات. فيما كان  يتردد علي المجالس السياسية، مما دفع ابنه حسين إلى التعرف على القضايا السياسية في سن المراهقة.

يتحدث الراوي أيضاً عن الخلفية التاريخية للأحياء القديمة في طهران، مثل سرجشمة: " يطلق  على منطقة سرجشمة منطقة الأعيان. لا يزال يتذكر القدماء أسماء الذين وضعوا في شوارع المنطقة. زقاق معز الدولة، عزت الدولة، فخر الدولة ، حاجب الدولة، ووثيقي. أو كان اسم  شارع عين الدولة (إيران الحالي) حيث كل الأسماء كانت باسم رجال الدولة والسلطنة".

بعض التقاليد التي كانت موجودة في الماضي أصبحت منسية بعد مرور سنوات مديدة. ويمكن الحديث عن هذه التقاليد أن يتعرف عليها  الناس ثانية ،علي سبيل المثال مفردة (الباتوق) والمكان الذي يتجمع فيه بعض الأفراد والتي كانت شائعة في الماضي، واليوم، ربما لم يسمع بها أحد، أحد هذه التقاليد: " منذ الحقبة الصفوية في إيران، وفي كل حي من المدن مختلفة، كانت هناك أماكن يوجد فيها كبار السن  لمعالجة وحل المشاكل الشخصية أو النزاعات بين الناس. في كل من هذه الأماكن، هناك أشخاص كانوا أكثر بروزاً ومكانة من غيرهم وكانوا يطلقون عليهم (باتوق دار). حيث يحظون باحترام الأهالي ويستمعون لما يقولون لهم".

تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ المثقفين لم يكونوا فاعلين في ذلك الوقت في الساحة السياسية في البلاد، وأنّ معظم الشؤون الاجتماعية كانت تديرها قوى السوق. كما كانت أسماء بارزة أخري مثل: الحاج محمد رضا جرم فروش، رئيس نقابة مبيعات الجلود، وميرزا علي ساعت ساز، وكدخدازاده، والحاج محمد حسن خرازي، ومشهدي إسماعيل كريم آبادي، رئيس نقابة المقاهي، والحاج محمد حسين معين الرعايا، رئيس نقابة البقالة، والحاج الشيخ محمد حسين راسخ أفشار والحاج الشيخ زين العابدين شاه حسيني.

الأحزاب، إنقلاب 19 أغسطس وفيضانات جوادية

تنحسر محتويات الكتاب تدريجياً عما يعرف عن تاريخ الأحياء وتصل إلى المناخ السياسي والاجتماعي للبلد. أثرت الحرب العالمية الثانية في إيران على الإنتاج الزراعي وتسببت في حدوث مجاعة مقيتة حيث جاء في الكتاب عن هذا الموضوع: "أصبح القمح والسكر نادر للغاية. كل ما يتم إنتاجه في إيران، من لحوم البقر ولحم الضأن ولحم الخنزير يُرسل إلي روسيا. زادت المجاعة من معدل الوفيات. كما أدّى عجز الحكومة الإيرانية، التي لم تكن قادرة على توفير الدعم للأشخاص الذين يتعرضون لضغوط الحلفاء، إلى قيام بعض الأشخاص المتمكنين مالياً بتكوين جمعيات لمساعدة الفقراء والمحتاجين".

يتناول الفصل الأول من كتاب "من الولادة إلى الدخول في المجال السياسي"  كما يتقارن مع موضوعات من هذا القبيل، في الفصل  الثاني أي "في مجال السياسة حتى انقلاب 19 أغسطس". يتناول هذا الفصل أنشطة الأحزاب في العشرينيات من القرن الماضي، مثل حزب الإرادة الوطنية وحزب توده والحزب الإيراني والحزب الديمقراطي الإيراني، لكن معظم المواد تدور حول انقلاب19 أغسطس عام1953م .: "كان معظم الناس في هذه المجموعة يحملون العصي وهتفوا بشعارات لصالح الشاه وضد الدكتور مصدق. لقد تضمنت شعاراتهم، يحيي الشاه، والموت لمصدق، يعيش محمد رضى شاه. بالإضافة إلى ذلك، استخدموا الخطب القبيحة والألفاظ النابية... في فترة ما بعد الظهر، وصلت شاحنتان تحملان النساء من ساحة المدفعية إلى مفترق سرجشمة. ربطت النساء عباءاتهن بخصرهن وهتفن بشعارات ضد الدكتور مصدق. سمعت أنه تم إحضار نساء من الأحياء سيئة السمعة في طهران إلى بوابة قزوين".

في هذا الكتاب، يتحدث حسين شاه حسيني أيضاً عن الأحداث الإجتماعية بالإضافة إلى القضايا السياسية، والتي تشمل  فيضانات جوادية : "في ربيع عام 1961م، وبعد فترة وجيزة من تصدي رئاسة الحكومة من قبل علي أميني، تدفق فيضان ضخم من الجبال المحيطة بإمام زاده داود عن طريق نهر كن إلى الجنوب من طهران، ولأنّ المجاري لم يتم تنظيفها، فإنّ المناطق الجنوبية من طهران وعلى وجه الخصوص منازل الجوادية دمّرت بشكل كامل ... ومع ذلك، قررت الجبهة الوطنية  وبنهج سياسي  تقديم المساعدات لمنكوبي الفيضانات".

بدءاً من 6 يونيو عام 1963م حتي إنتصار الثورة الإسلامية

يتناول نصّ الكتاب أحداث 6 يونيو عام 1963م حتى انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. يقدم هذا الفصل معلومات عن طيب الحاج رضائي والحاج اسماعيل رضائي وأنشطتهما الاجتماعية والسياسية خلال 6 يونيو 1963م، ولكن يتم التركيز بشكل أكبر على الأنشطة الاجتماعية للرجلين، بما في ذلك بناء منازل لروسبيان في طهران وتنظيم حياتهم والاحتفال بمنتصف شهر شعبان أمام مصنع بيبسي كولا. منذ ذلك الوقت، يتخذ كفاح الشعب ضد حكومة بهلوي شكلاً أكثر جدية، حتى تظهر أحداث الخمسينيات من القرن العشرين ببطء. لقد قرر الشاه هذا العقد السيطرة على الأزمة من خلال استخدام الأشخاص المؤثرين من الجبهة الوطنية. اقتراح رئيس الوزراء اللهيار صالح في هذا السياق حيث أنه لا يقبل بذلك علي الإطلاق.

في نفس الفصل يتطرق الكاتب إلى رحيل الشاه عن إيران وانتصار الثورة الإسلامية. الفصل السابع يتعلق بمواضيع حول "رئاسة منظمة التربية البدنية"، التي يرأسها راوي الكتاب. ويقدم الفصل الثامن أيضاً رجال دين ونشطاء سياسيين.

جمعية عودلاجان الخيرية، الجلسات السياسية، المساجد واللجان الدينية، تأميم صناعة النفط، حكومة الدكتور مصدق، من 22 يوليو إلى 20 أغسطس، حركة المقاومة الوطنية، وآية الله الحاج سيد رضا زنجاني، الدكتور حسين فاطمي، مؤتمر الجبهة الوطنية، أنشطة تختي السياسية، تشكيل الجمعية الإيرانية للدفاع عن حقوق الإنسان، ولجنة الترحيب، وانتصار الثورة، والأندية الرياضية، ومشاركة إيران في بطولة العالم من الموضوعات التي يتناولها الكتاب الكتاب.

سبعون عاماً من الإستدامة

يعتبر كتاب "سبعون سنة من الإستدامة" كتاب في مجال التاريخ الشفوي. يحتوي الكتاب على العديد من الميزات، فهو يستكشف أحداث الفترات التاريخية المختلفة في إيران. ذكريات أقل ما تم سماعها. تجنب الشعار والحكم في التعبير عن هذه الذكريات. تجدر الإشارة إلى أنه في كتاب "سبعون عاماً من الاستدامة" يتم التعبير عن التقاليد القديمة وعاداتها من خلال الذكريات بالإضافة إلى الذكريات السياسية. يمتاز سنّ حسين شاه حسيني، راوي الكتاب، بمشاهدة فترات مختلفة وإخبار أحداث هذه الفترة للجمهور.

ذكريات الكتاب واضحة بقدر ما يبدو أنها تنسجم جيداً مع الراوي. تجعل هذه الميزات كتاب "سبعون عاماً من الاستدامة كتاباً رائعاً".

بالإضافة إلى قسم "المستندات والصور" من القسم المصوّر للكتاب، هناك أيضاً مواضيع متعلقة بالصور بين محتويات الكتاب والمذكرات. يختتم كل فصل من فصول الكتاب بقسم يسمى "ملاحظات الفصل"، وهو مقدمة مختصرة عن الأشخاص المذكورين في كل فصل. يتناول الفصل الأخير من الكتاب أيضاً مقدمة مفصلة للأفراد، بما في ذلك رجال الدين والناشطين السياسيين. كتاب "سبعون عاماً من الاستدامة"، هو كتاب عن التاريخ الشفوي، وهو موضوع كان محور الاهتمام في إيران منذ سبعينيات القرن العشرين، والآن يعمل الكثير من الناس على موضوعه. من خلال جمع الذكريات من المشاركين في الأحداث، فإنهم يشكلون وثائق حول التاريخ الإيراني المعاصر والتي يمكن أن تتأثر في اختيار الطريق إلى المستقبل. في النهاية، من الضروري الإشارة إلى أنّ راوي الكتاب إنتقل إلى رحمة الله في يناير عام 2018م.

----------------------------

[1].سبعون سنة من الإستدامة، مذكرات حسين شاه حسيني، 1941 ـ 1981، ج1، بجهود: أمير (بهروز) طيراني، الطبعة الأولي، جابخش، طهران،2016م،824  صفحة.

 

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2141


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة