ليالي الذكريات في نسختها التاسعة بعد الثلاثمئة ـ 2

عمليات كربلاء 5 كانت غير متوقعة للعراقيين

مريم رجبي
ترجمة: حسن حيدري

2020-1-12


خاص موقع تاريخ إيران الشفوي، أقيمت مراسم ليالي ذكريات الدفاع المقدس في نسختها التاسعة بعد الثلاثمئة، مساء يوم الخميس الموافق 26 ديسمبر عام 2019م في قاعة سورة مهر للفنون. وقدم في هذا البرنامج كل من السيد عبدالرحيم فرخ سهراب وسيد يحيي رحيم صفوي وفتح الله جعفري ذكرياتهم حول فترة الأسر وانتصارهم في عمليات الفاو وكربلاء 5.

قام السيد داود صالحي مقدم برنامج ليالي الذكريات في نسختها التاسعة بعد الثلاثمئة كالتالي: "الراوي الثاني لبرنامج ليالي الذكريات، من مواليد عام 1952م في إصفهان.كان طيلة فترة الدفاع المقدس من قادة الحرب في قوات الحرس الثوري لجمهورية إيران الإسلامية. كما ترأس من عام 1997م حتي عام 2007م قيادة قوات الحرس الثوري. نظراً لأنه كان يتصرف ضد الحكومة الشاهنشاهية منذ أوائل الخمسينيات وأراد عدم الكشف عن هويته، فقد قدم نفسه باسم مستعار وهو"رحيم". الاسم الذي تم ذكره لاحقاً في الدفاع المقدس أكثر من اسمه الأصلي، ويعرفه معظم المقاتلين والناس بهذا الاسم. إسمه الأصلي، هو سيد يحيي صفوي زاده. قال اللواء صفوي زاده: "قبل بضع سنوات ذهبت للقاء السيد المرشد (حفظه الله) وقال لي عليك أن تذهب لمعسكرات الشرطة والجيش والحرس الثوري وتقصّ ذكرياتك. هذه الذكريات منتجة ومؤثرة للغاية. الهدف هو بناء جيل الشباب. نحن قمنا بتدشين حركة حكاية المذكرات حيث سنستعين بقدرات وخبرات السيد سرهنكي في هذا المجال. لدينا الآن ما يقرب مئة قائد لمشروع نهضة الذكريات، لكن هدفنا الرئيسي هو التركيز علي الجانب التعليمي. في كل عام، يذهب حوالي أربعمئة ألف من القوات إلي مراكز الحرس الثوري والجيش والشرطة ووزارة الدفاع  التعليمية، أي في كل سنتين، ثمانمائة ألف شخص. آمل أن يكون بين نهضة الذكريات وليالي الذكريات علاقة وطيدة لتبادل وجهات النظر.

تتلخص ذكرياتي لهذه الليلة بين ذكريات عمليات الفاو وكربلاء 5. قبل البدء بعمليات الفاو ذهبنا للقاء الإمام الخميني (رحمه الله). كنا قلقين وهذا القلق يعود إلي عمليات بدر في عام 1984م وعمليات خيبر في عام 1983م حيث لم نتمكن من نيل الأهداف التي كنا قد رسمناها وهي الوصول إلي نهري دجلة والفرات وعدنا دون تحقيقها. وقد أمر الإمام الراحل بتشكيل القوات البرية والجوية والبحرية في تاريخ 19 ديسمبر عام 1985، أصبحت حينها قائد القوات البرية، والسيد حسين علائي قائد القوات البحرية، والسيد موسى رفان أول قائد للقوات الجوية في الحرس الثوري. لقد شرحنا بحضور الإمام الراحل خريطة عمليات الفاو والعبور من نهر أروند بشكل مفصل. لأننا كنا قلقين، ذهبنا برفقة قائد الحرس الثوري وقادة القوات البرية والجوية والبحرية وقلنا نحن نريد أن نعبر من النهر. بعدها نقوم باقتحام المنطقة، وربما لا نستطيع الحفاظ عليها وندحر من قبل البعثيين ثانية إلي الخلف وكما حدث لنا في عمليات خيبر وبدر، نضطر للعودة إلي الخطوط الخلفية، ما هي مهمتنا؟ استمع الإمام بعناية إلى كل تفاصيل العملية، ورفع رأسه، وقال بحزم إنّ القائد الأعلى هو الله. الله الذي أمرك بالصلاة، أمرك أن تدافع أيضاً. اذهب وتأكد من أنك منتصر، وكذلك أنا سأتي وسأصلي هناك. عندما تكلم الإمام بهذه الكلمات، ذهبنا وأخبرنا قائد الفرقة وقد استطعنا تحقيق النصر في تلك العملية.

في 9فبراير 1986، وفي الليلة الأولى من عملية الفاو، عبرت أنا، قائد القوات البرية، نهر أروند مع المحاربين. لقد قمنا بنشر حوالي  سبعين ألف جندي بحلول نهاية العملية، وليس من المعتاد أن يذهب قائد القوات البرية مع القوات. في تلك الليلة كان النهر متدفقاً ومتلاطماً وكان لدينا مشكلة في عبور الغواصين من النهر. لقد عبرت النهر برفقة حامل اللاسلكي وراوٍ للحرب وعلي متن زورق فيلق علي بن ابي طالب (عليه السلام) التابع لقوات من قم وأراك. كانت المياه سريعة جداً وتدخل في ملابسنا. يتراوح عرض النهر من 700-800 متر إلى 1500 متر. عندما وصلنا إلى مصب الخليج الفارسي، زاد عرضه. أصبحت كل ملابسي مبللة حتى وصلت إلي الجانب الآخر من النهر. وصلنا وسرنا في المناطق الجافة حتي وصلنا. كانت الساعة تشير إلي 2 أو 3 من منتصف الليل. كل كلماتي مسجلة ومتاحة في الوقت الراهن. طلبت من القادة المتواجدين أن يحضروا لنتحدث عن خطة للعمليات ومن ثم ذهبوا إلي مهامهم. كان الليل وشهر بهمن وملابس مبتلة بالمياه الباردة.عندما كانت الرياح تهب، نشعر ببرد قارس جداً. كنت أبحث عن بطانية لأضعها علي جسدي. شعرت بالبرد الشديد. وجدت البطانيات مبتلة، عندما أشعلت المصباح رأيتها مضجرة بالدماء. ربما أخذوا المصابين بها ووجدت أنه إذا استخدمتها، فلن أكون قادراً على إقامة الصلاة في الصباح. اضطررت إلى المشي من الليل حتى الصباح للحفاظ على دفء جسدي. عندما فوجئ العراقيون في الصباح بهجومنا، بدأوا بقصفنا جوّاً. كانت الأيام الثلاثة الأولى من القصف  مجرد مواد كيميائية. ثلاثة أضعاف مساحة المنطقة التي استخوذنا عليها، قاموا بقصفها. في الأيام الثلاثة الأولى، قمنا بإخلاء حوالي ألف وسبعمئة جريح تأثروا بالقصف الكيمائي، لم يستشهدوا بل تتأثر أعضاء بدنهم بهذه المادة السامة. كنت أتمشي في الليل حيث كان مستودعاً للقوات العراقية. كنت أبتعد رويداً رويداً من ذلك المكان في الوادي وفجأة عثرت علي نفق بالقرب من تلك المنطقة. نظرت من قريب ورأيت سلّم. نزلت على الدرج وفوجئت عندما وجدت أن الجدار كان مجصصاً وأبيضاً. كانت القاعدة  لقيادة اللواء، كان لديه أسرّة وفرشات وبطانيات وقوارير مملوءة بالقهوة العراقية  والبسكويت. أخبرت حامل اللاسلكي ألا يوقظني، قلت له سأنام وأستيقظ خلال ساعات قليلة. عندما استيقظت، رن جرس الهاتف من البصرة. سألني باللغة العربية ماذا يجري هناك؟ قلت له باللغة العربية أن جيش الإمام الخميني (رحمه الله) استولي علي هذه المنطقة. لقد تحدث بكلمات غير لائقة وأنا أجبته باللغة العربية ثانية. بعد ذلك قمنا بقيادة الجيش من ذلك المكان. أحد أصدقائي الذين كان معي في الليل، ضحك عندما رآني. قلت له لماذا تضحك؟ قال عندما ذهبت، تذوقت البرد الشديد وحينها نمت إلي جانب أحد الأشخاص، كان إنساناً رائعاً ولم يتحرك علي الإطلاق.عندما أخذت بطانيته لم يتحرك أبداً ولم يقل شيئاً. تبين لي في الصباح أنه جندياً عراقياً ميت وأنا نائم بجانبه!

في تلك الليلة نفسها، كان لدينا نظام اعتراض قوي للغاية كان يستمع إلى جميع اللاسلكيات العراقية، ليس فقط في منطقة الفاو بل في البصرة، ويمكنني حتى أن أقول إننا كسرنا رموزاللاسلكيات العراقية المصنعة في فرنسا. كانوا يتصلون لاسلكياً من البصرة إلى بغداد، وعرفنا ما كانوا يقولون لقيادتهم. قال القائد العراقي البارز في اللاسلكي لقائده الرفيع إنّ العدو قد انزل قواته بواسطة القوارب ويزدادون في كل لحظة كالسيل. إذا لم يكن لديك خيار، فمن المحتمل أن يسيطروا على أم قصر بعد لحظات. وضعنا سيء للغاية أخبره القائد الأعلى أنني على اتصال الآن بالقائد الأعلى للقوات المسلحة. لقد اتصل وكانت رسالة صدام العفلقي كالتالي: قاوموهم. سأرسل لكم ثلاثة فيالق مدرعة لهزيمة القوات الإيرانية. في الليلة الثالثة جاء الحرس الجمهوري. لقد ناموا تحت الدبابات ليلاً ليهاجموننا صباحاً. سمعنا ذلك من خلال اللاسلكي. قلنا لقواتنا في الخطوط الأمامية، فيلق النجف 8، والإمام الحسين (ع) 14، وعلي بن ابي طالب (ع) 17، وكربلاء 25 وعاشوراء 31، أن يهاجموا العدو قبل مهاجمته قواتنا. قاموا بمهاجمة قوات الحرس الجمهوري ليلاً وقتلوهم. كانت قوات الحرس الجمهوري في أوقات إستراحتها، وفوجئت القوات بسماع تكبير قواتنا وأدخلوا في قلوبهم الرعب والخوف وقاموا بتشغيل مصابيح الدبابات. عندما اشتعلت الأضواء، كان القضاء عليهم أسهل. تراجعوا للخلف وقال قائدهم أن يستخدموا المدفعية والصواريخ الكيميائية. لقد بدأوا بإطلاق الكرات الكيماوية، لكن لأنّ الله شاء ، أصابتهم وأصبح البعثيون أكثر حزناً ودماراً. أخبر قائد لواء حرس الجمهوري الرابع قائد فيلق الحرس الجمهوري وقال له بأنّ وضعنا سيء للغاية. نيران المدفعية فعالة جدا ضدنا، وتزداد الخسائر. نحن نقاوم في الوقت الحالي ولكن هبوا لنجدتنا. نحن محاطون بالأعداء من الجوانب الأربعة. نحن بحاجة إلى لواء مدرع لفتح الطريق، يجب القيام به بسرعة. أخبر قائد فيلق 26 بإرسال كتيبة آلية ومدفعية لدعمنا. يجب عليك إرسال قوة مساعدة إلى لواءنا على الطريق الساحلي على طول نهر أروند، على الرغم من أنه قد يكون مكلفاً. أجاب قائد االحرس الجمهوري، "عد بالحرب والهروب، لا يمكننا فعل أي شيء بالوقت الراهن".

كان فيلق علي بن ابي طالب 17متومضعاً على جانب مصنع الملح. عندما هاجمنا فيلق الحرس الجمهوري، استعرضناه وأسرنا قائد فيلق 111. قال القائد بأن نأخذه إلي لقاء قائنا. ذهبوا به نحو غلام رضى جعفري، قائد فيلق علي بن ابي طالب (ع) والذي كان آنذاك شاباً وسيماً ونحيفاً بملابس متواضعة. قال ليس هذا قائدكم، قالوا له بل هو قائدنا. كان يراه يصدر الأوامر عبر اللاسلكي. عندما حلّ الظهر وضعوا المائدة لتناول الغداء. جاؤوا بالزبادي والخبز اليابس. وقالوا له: تفضل! بدأ القائد بالبكاء وقال من أنتم؟ أين تدربتم؟ بهذه الملابس؟ بهذه الهياكل؟ قمتم بهزيمة قوات الحرس الجمهوري. بهذا الطعام الذي تناولتموه كيف أتيتم إلي هنا؟ لم يتوقع قائد الفيلق ما حدث لهم وكيف استطاع هؤلاء القادة من المجيء إلي ذلك المكان؟

في اليوم الرابع أو الخامس، ضرب البعثيون بطائرات ميراج فرنسية، وصواريخ موجهة بالليزر جسورنا الخلفية، الجسور كانت فوق بهمنشير وجزيرة آبادان. لم يكن لدينا خيار سوى بناء جسر ترابي فوق بهمنشير. يضعون داخل نهر بهمنشير حافلات وأنابيب ويملؤنها بالتراب من كل الأطراف. لكن المياه تجرف التراب لشدة تدفقها في تلك النقطة. أرجئت هذه المهمة إلي فيلق الصراط المستقيم الذي كان يرأسه شقيقي سيد محسن صفوي. بذل جهوداً مضنية ولكن كان الأمر صعباً. من داخل مقر فيلق الصراط المستقيم اتصلوا بمكتب الإمام وقالوا إرفع يدك لنا بالدعاء لتحقيق ما نطمح إليه. أرسل لنا الإمام الراحل رسالة عبر الحاج السيد أحمد قائلاً: عليكم أن تضاعفوا جهودكم وأنا سأرفع يدي الليلة بالدعاء. ضاعفوا جهودهم واستطاعوا أن ينجزوا الجسر الترابي.

بدأت عمليات كربلاء 4. وكانت أيضاً عمليتنا الرئيسية. بعد ساعتين أو ثلاث ساعات من بدء العملية، بدأ العراقيون الغارات الجوية. لم يقصف العراقيون ليلاً. بعد ساعتين أو ثلاث ساعات، أدركت أنا وقائد الفيلق أنّ العملية قد سربت. أمرنا قواتنا بالتراجع وسحبنا معظم قواتنا في تلك الليلة. قرأ العراقيون أهدافنا في تلك الليلة، واتضح لنا أن العملية قد سربت. لن يتولى أي قائد حكيم قيادة العملية إذا كان متأكداً من تسريب معلومات العملية. قائد الحرب كان الراحل آية الله هاشمي رفسنجاني. وكان القائد الأعلى السيد محسن رضائي. لقد كان لكل منا العديد من الأطفال، وعرفنا كم كانت حياة هؤلاء الأطفال غالية. سأجيب على بعض الشائعات هنا. في كربلاء 4، كان العدد الإجمالي لشهدائنا تسعمائة شهيداً. لقد رأيت بعض المعارضين والمعاندين يقولون إنّ الشهداء كانوا بالآلاف. عندما سحبنا قواتنا، جاءت القوات العراقية في اليوم التالي وقصفت المنطقة بالكيمياوي بشكل كامل. لقد التقينا مع آية الله هاشمي رفسنجاني. لقد كانت سنة صعبة وقلنا في وسائل الإعلام وصلاة الجمعة أن هذه كانت عملية مصيرية.. ووعدنا بأننا سنبدأ عملية أخرى في مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً. لقد انتقل العراقيون إلي مواضعهم فرحين بما حققوه في العمليات الأخيرة، ومنحهم صدام ميداليات ورتب. لقد أعددنا أنفسنا لكربلاء 5 في خمسة عشر يوماً. لم يعتقد العراقيون أننا سنكون قادرين على تنفيذ عمليات من شأنها كسر البوابة الشرقية للبصرة. عمليات كربلاء 5 كانت نصراً كبيراً. أريد أن أحكي لكم  ذكريات كربلاء 5.

إستجابة دعاء أحد القادة

كان ذلك القائد الذي قُطعت يده في عمليات خيبر في الطلائية. قال لزوجته وصديقه أحمد كاظمي، أنه حين قُطعت يده، كانوا يأخذون روحي إلي السماء. سألوني هل تريد أن تذهب إلي السماء أو نعود بك إلي الأرض؟ قلت لهم أحب العودة. أعادوني ورأيت نفسي علي الأرض. كان القائد لفيلق الإمام الحسين (ع) 14 يقول للغواصين ونحن لدينا مقطع فيلم يقول فيه: أعزائي الغواصين، عندما تعبرون من هذا النهر، إذا تريدون أن تعرفوا مدي خلاصكم، إذا تعرضتم لإصابة بالرصاص فاكتموا اصواتكم لكي لا يعلم بكم العدو. لأنه علم بكم سيقتلكم دون استثناء. لكن دعوني أخبركم عندما كنتم تجلسون في مراسيم العزاء المقامة للإمام الحسين (ع) وتسمعون ما حدث أصحابه في يوم عاشوراء وتلقوا ضربات السيوف والرماح، لم يشعروا بالألم. والله عندما قُطعت يدي في الطلائية لم أشعر بالألم وبسرعة قلت أستغفر الله! لم أنو أن أقول لكم هذه الكلمات.هذا القائد وبسبب الخسائر الفادحة التي تلقاها هو وقواته في عمليات كربلاء 4 في جزيرة أم الرصاص وأيضاً في عمليات كربلاء 5، كان يبكي وهو تحت البطانية ويقول ربي أخطأت وأطلب منك أن تأخذني معهم. حيث استشهد في عمليات كربلاء 5 عن طريق شظايا قذائف هاون في رقبته. قال لهم في عام 1984م ولم يأخذوه معهم وأخذوه عام 1987م واستجيب دعائه. قبره الآن في مقبرة شهداء إصفهان. كان هو حسين خرازي.عندما كنت أذهب لزيارة قبره، أري الشباب والفتيات يأتون إلي قبره ويشعلون الشموع ويقولون أنه يلبي حاجاتنا. في الحقيقة والواقع أن حسين خرازي وصل إلي درجة إستجابة الدعاء.

 في كربلاء 5 كنت مساعد القائد الأعلى للقوات البرية. في اليوم الثاني والثالث ذهبت إلى المنطقة. في منطقة خمسة زاوية مختلفة، على الطريق من خرمشهر إلى الشلمجة ومن هناك إلى البصرة، اجتمع القادة من أجل مواصلة عملياتهم، وكان من المقرر أن أذهب وأتحدث معهم. كانت لدي سيارة مصفحة. بمجرد أن حاولت التحرك مع السيارة، بدأت نيران المدفعية، واضطررت إلى إغلاق الأبواب، وهزت السيارة الضخمة، والتي تزن ما لا يقل عن أربعين طناً، من خلال نيران الكاتيوشا والمدفعية التي كانت تتساقط عليها بكثافة. استمر إطلاق نيران المدفعية لبضع دقائق. عندما أصبح الأمر أكثر هدوءاً وأردت أن أتحرك، لاحظت انقطاع اتصالنا اللاسلكي بعيد المدى، وفي الواقع، قطع رأس هوائياتها التي كانت خارج المركبة. كنت فقط قادراً على الاتصال بالقادة باستخدام جهاز PRC 77  وصوت غير واضح. ذهبنا إلى جسر الإمام رضى (عليه السلام) وجلسنا تحت الجسر. كان كل من الحاج أحمد كاظمي، والحاج حسين سليماني، ومرتضى قرباني. كنا نجلس معاً عندما بدأ اطلاق النار من جديد. صوت النار جعلنا متوترين إلي درجة كبيرة. كانت عملية كربلاء 5 غير واردة ومتوقعة للعراقيين. انتصار عمليتي الفاو وكربلاء5 حددتا مصير الحرب. ثم، أجبر الأمريكيون والسوفييت على التنازل لإيران من أجل منع سقوط صدام، وقدموا القرار 598 لصالح إيران. رغم أنّ إيران قبلتها عام 1989م.

كان الوقت ظهرا وكنت نائاً في المقر. في المنام، رأيت روح أخي محسن تصعد إلي السماء وأطفاله الصغار يبكون، وهذا الشهيد يلوح بيده لأطفاله من علو. لقد استيقظت من النوم وكنت بجانب اللاسلكي. قال لي السيد شمخاني هل تتحمل الأخبار السيئة؟ قلت أتريد أن تقول لي أن أخي قد نال درجة الشهادة؟ قال نعم استشهد قبل لحظات. أي في اللحظة التي رأيت طيفه في المنام، لقد استشهد وصعدت روحه إلي السماء.عندما توفي سيد محسن صفوي، كان لديه أربعة أطفال. أصغرهم كان لديه بضعة شهور وأكبرهم في سن التاسعة. أصغر أولاده، سيد سجاد، جاء للقائي إلي طهران. قليلا ما أذهب إلي إصفهان، الطفل الصغير أصبح كبيراً ومهندساً وتزوج ولديه أطفال، ذلك الطفل الصغير الذي لا يتذكر والده، قبّلته وانشغلت به لحوالي نصف اليوم. لقد عاد إلي إصفهان ثانية. في تلك الليلة رأيت طيف والده في المنام. كان أخي طويل القامة. ضمني إلي صدره. أقسم بالله أنني عندما استيقظت، كنت أشعر بتلك المعانقة وحرارة أنفاس الشهيد. أنا لا أكذب أبداً، الشهيد في الحقيقة كان حياً يرزق وأنا أعتقد بهذا الموضوع. مرة أخري رأيت سيد محسن في المنام وسألني ماذا تفعلون؟ قال لي بسخرية هل في رأيكم أننا هنا لم نفعل شيئاً. تعال لأريك ما نفعله هنا. ذهب بي إلي مكان ورأيت أنه في حال تدشين مسجد. قال: أنظر من هذه النافذة نظرت ورأيت النجف الأشرف. قال نحن هنا نبني مسجداً للإيرانيين.أنظر! إنه قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وحينها استيقظت من نومي. إنّ الشهداء أحياء، لكننا غافلون عن عالم الشهادة ومكانة وفضيلة الشهداء".

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 3033


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 

الأكثر قراءة

نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة