ليالي الذكريات الثانية عشر بعد الثلاثمائة- 3

كنا نمزح مع الحاج قام تحت نيران العدو!

السيدة بكاه رضا زادة
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2020-3-13


خاص موقع التاريخ الشفوي الإيراني، أقيم برنامج تكريم سيدات الحرب المفروضة في 20 فبراير 2020. وتحدث كل من إيران ترابي والسيدة فوزية مديح والفحاج مهدي زمرديان.

وكان المتحدث الثالث الحاج مهدي زمرديان من قدماء جنود الدفاع المقدس. وكان صديقا للشهيد وصالي وشارك في أحداث كردستان. وق تقاعد بعد الحرب ولكن وخلافا للجميع، مازال محتفظا بقوة، ببسطاله. حتى بعد انتهاء الحرب يعرف واجبه فانضمّ للدفاع عن أمن إيران إلى مدافعي الحرم. وكان الحاج مهدي مثل زمردي رافق الشهيد أبو مهدي والشهيد الحاج قاسم سليماني أعواما.

وقدّم مهدي زمرديان نفسه: "انضممت منذ أول يوليو 1979 إلى الحرس. أُعتبر من الجيل الأول المنضم إلى الحرس. بدأت عملي في اليوم الثاني من الحرب مع الشهيد وصالي أو أصغر المحارب في باوه، على حدّ تعبيرنا صاحب العلامة الحمراء. كنت ما يقار سنيتن في كردستان وأصبت ثلاث مرات. ثم اتجهتُ إلى الجنوب. وعملت في قاعدة خاتم الأنبياء (ص) مع أفضل أعزائي من الشهيد جمران إلى السيد رضائي والشهيد قاسم سليماني. تقاعدتُ قبل اثني عشر عاما. ولكن على الورق! قلت لنفسي هل أنت نتعب! قضيتُ كل حياتي في الصحراء وقد حان الآن الوقت لأقضيه مع أحفادي. يقول بعض الأصدقاء أنّ لديّ تجربة جيدة هل ستترك العمل؟ قلت لهم أريد زيارات العتبات وقضاء المزيد من الوقت مع حفيدي. ولكن بين هذه الضجة، بدأت الحرب مع داعش. كانوا يقومون بهجمات في سورية. وكنا نذهب في ذكرى شهادة السيدة زينب (س) إلى سورية ونقدم الطعام طوال اسبوع للزوار. كانت مسؤلية المطبخ الحرم على عاتقي. ونوزع كلّ ليلة بين أربعة آلاف إلى سبع آلاف وجبة بين الزوار. وحين اختل الأمن في سورية، أصرّوا كثيرا على عودتي للفريق والعمل. ولكنّ الحقيقة أنّ نفسيتي لا تساعد وأنا متعب. ولكن عدتُ إلى سورية في ذكرى شهادة السيدة رقية (س). ورافقنا ما يقارب 200 من زملائي. وفكّرت مع نفسي بأنّ هذه المرة ليست زيارة تقديم طعام، لأنّ الأمن فُقد. وحين عدت إلى إيران، وبينما أريد صعود الطيارة، أحسستُ أنّ أصدقائي يريدون مني البقاء في سورية والبقاء معهم. وقد كان الحاج قاسم سليماني وأصدقاء آخرون في سورية. جلست على كرسي الطائرة وكانت تستعد للطيران وحينها قالوا ستتأخر الطائرة في الاقلاع. وفجأة رأيتُ شبابنا داخل الطائرة. قالوا الحاج يدعوك. قلت لهم لقد سلمت حقائبي وأريد العودة إلى إيران. فقالوا ابقَ وقتا أكثر وعد مع الحاج قاسم سليماني يوم الاثنين إلى إيران. كانت بناية زجاجية قريبة من المطار. أخذوني إلى هناك. وكان في السيارة أصدقاء قدامى. قالوا في النهاية ستبقى هنا! قلت لهم لن أبقى. منذ البداية كنت أحترك الحاج قاسم سليماني. لو طلب مني شخصا آخر هذا الطلب لما ترجلت. ولكن ما إن رأيته فقدت سيطرتي. قلت له يا حاج أؤمرني. قال رافق الشباب إلى الخطّ لترى بنفسك الأوضاع وعد إليّ. كنتُ ارتدي بدلة. تساقط المطر في المطار وحوله. يطلقون على ضواحي دمشق ريف دمشق. الريف، منطقتان منطقة الغوطة الشرقية والغربية. أخذوني إلى الغوطة الشرقية. رأيت كل الشباب المسؤلين عن الوضع. كانت ملامهم غريبة ومظلومة. فرحوا جميعهم حين رأوني.

عليّ أن أشير إلى أعمالي حتى أكمل الموضوع. هناك علوم في موضوع التدمير. وطوال 30 سنة كانت خبرتي في تخريب الأفخاخ والصواريخ. ووجددتُ أنّ داعش وضع طوال الطريق أفخاخا يمكنها تفجير مباني كبيرة. سألت أحد الشباب هل معك قاطع؟ وبدأت بنفس ثيابي بابطال المتفجرات. ما يقارب 60 فخا. سألوني وهل تعرف مثل هذه الاعمال! ليس معنا من يعرف مثلك. وحينها مسني ما قالوه. خطرت على بالي بأني كنت 30 سنة في الصحاري وأريد قضاء ما بقي من عمري بجانب حفيدي؟ وقلت لنفسي إذا لم أقم بهذا العمل سيستشهد كل هؤلاء الشباب. بين كل مائة شهيد في سورية والعراق كان 95 منهم يستشهدون بسبب الانفجارات. كنت أعرف هذا ولا طاقة لي بتحمل مثل هذه الاحصائيات. وأغلب من رأيتهم قد استشهد. تملكني شعور بالتأنيب. قلت لنفسي أنت خُلقت لمثل هذا! حين عدت للحاج قاسم قال هب ستعمل معنا؟ قلت له لو سمحت لي أن أنهي أعمالي في طهران، وسأعود في بداية الربيع.

حين عدتُ إلى سورية، بدأت العمل. وأريد هنا ذكر قصة حدثت معي وهي من أفضل ذكرياتي. يجاور حرم السيدة زينب (س) الشارع الرئيسي. وافتتحنا شارعا باسم علي شريعتي. اقترب داعش من الحرم. كان عددنا سبع أشخاص. أطلقوا النار علينا. وكانت أكبر عملياتنا تحت اسم محرم. وعلينا ابعداهم. قمنا بالعمليات في غوطة الغربية. بدأنا مع بداية محرم واستطعنا ابعادهم 10 كيلومترات. لم تصل أسلحتهم إلى الحرم. دخلنا الحرم في ظهر تاسوعاء برفقة اللبنانيين العراقيين ويطلق عليهم الحيدريون والافغاني الفاطميون، ولطمنا. وقام شخص وهو شخصية ثقافية بعمل لافت. لا أعرف كيف حصل على مكبرات الصوت. ما إن دخلنا سمعنا صوت محمود كريمي الساحر. بكيت في ذلك اليوم كما لم أبك في حياتي. كان شعره الذي يقرأه عن الراية. وحمل أحد الشباب اللبنانيين راية الإمام الحسين (ع) ليضعه أعلى القبة. وحين وضع الراية في مكانها ورفع يده، استهدفه قناص داعش وسقط شهيدا.

رأيت الكثير من كرستان وحرب إيران والعراق ومدافعي الحرم في سورية. في لحظة خطفت فكرة هل يمكن حين أُسرت السية زينب (س) وأطفالها مع 81 شخصا وأحضروهم من كربلاء إلى دمشق، أصبحوا 33 شخصا؟ ماذا فعلوا معهم الشاميون؟ اقرؤوا التاريخ ستجدون 40 سيافا شهروا سيوفهم أمام لامرأة وأطفال. حين دخلنا في حرب مع داعش في سورية رأيت بنفسي كيف استشهد أبناءنا غرباء مظلومين. يحرقون أجسادهم ويقطعون رؤوسهم ويركلونها. وقبل وصولهم للحرم استشهدوا. بالطبع أوقعنا الكثير من الخسائر في العدو. ووضعنا كمائن لهم. قلتنا مرة 60 داعشيا وفي مرة 80. وفي آخر مرة وقد بثها التلفاز، حصل انفجار قتل فيه 175 من داعش.

أريد أن أحدثكم عن ذكرياتي مع الحاج قاسم سليماني. إحداها في طريق سامراء. كانت الطريق بيد العدو. بعد 10 كيلو مترات يطلق عليها المنطقة الصعبة.  قال الحاج قاسم يجب أن نذهب إلى العراق. سبعون بالمائة من العراق بيد داعش. ويريدون الاستيلاء على بغداد. ذهبت مع الحاج قاسم بطيارة. قال يجب أن نعدل الأمور هنا. كان تحصصنا هو أن نثبت التلال بالمتفجرات. أمر بهذا العمل حين كان شبابنا أسرى في حرم الإمام حسن العسكري (ع). وشمال العراق كلها سيطروا عليه. كان الحرم تحت سلطتنا ومدينة بلد. يقول أحيانا الحاج قاسم يجب تحرير هذه الطريق. فنقول له إنّ الطريق ممتلأ بالدواعش وقوتنا لا تكفي لمواجهتهم. وبينما أتحدث معه يركب سيارته ويذهب. كان العدو يطلق النار. فقلت للشباب لقد انطلق الحاج وإذا استشهد فستعلو روحية الدواعش. تبعنا الحاج سليماني مع العراقيين. حين وصلنا إيه كنا قد حررنا 10 كيلومترات. قلت: "يا حاج أرجوك تراجع. ابقى هنا ونحن نتقدم!" كنت اخاف أن يستشهد. كنت أطلب منهم أن يمنعوه! لا يفكر بأنّ العدو أمامه. الخلاصة أننا حررنا الطريق في أربع أيام. حين وصلنا إلى مدينة بلد ومنها إلى سامراء، استطعنا تحرير الشباب. هناك مكان يطلق عليه عزيز بلد واستشهد فيه 700 من شيعة أمير المؤمنين (ع). دعوني أحدثكم بمقتلة أخرى من داعش. هناك عادة في العراق، مثلنا نحن، يأخذ العريس عروسه بسيارة ويطلقون الأبواق. أوقفوا سيارة عروس بجانب نهر دجلة وأغرقوهم وهم احياء. ما أريد قوله مَن يذهب الآن إلى الأربعينية، ما هو إلا ببركة شهداء مدافعي الحرم والحاج قاسم سليماني. بدأنا عمليات أخرى مع الحاج سليماني. وكدنا أن نقتل أيضا. قلنا لبور جعفري وكان سكرتير الحاج قاسم، ليقلل أحد من حركة الحاج. وبالطبع لا يجرأ أحد على مفاتحة الحاج بالموضوع. أحيانا كنت أقول لسائق الحاج قاسم لا تفعل كل ما تامر به! كان هذا الرجل شجاعا لدرجة لا يهاب فيها داعش. كنا نتقدم الحاج قاسم بالسيارة الحاج حامد ويأتي خلفنا يراجة نارية. سألت الحاج حامد عن المكان الذي نقصده فقال شبابنا أمامنا. فقلت له ليسوا هم. هءلاء دواعش ارتدوا ثيابا عسكرية. ورفض ما قلته. طلبنا من السائق عربان الرجوع. ولكن الحاج طلب منه التقدم. هو يقول تقدموا وأنا أطلب الرجوع. وما إن أردنا الرجوع بدأوا باطلاق النار علينا. الحمد لله كان الحاج خلفنا. في الواقع، استطعنا انقاذ الحاج لأنّ سيارتنا مصفحة. حين وصلنا إلى قاعدة أولمان الموصول قال علينا أولا محاصرة الموصول. كان عدد داعش في الموصول كبير. طال الامر عام حتى تحرر الموصول. وكانت نظرة الحاج بعيدة إذ قدّم طرق حلّ جديدة مفائجة. وحين أردنا تحرير الموصول قال حرروا أولا الحدود. سألناه لماذا؟ الموصول أوجبّ قال علينا أن نجد أولا طريق مواصلات سورية. حين بدأنا وصلنا إلى أبو كمال. واستشهد الشهيد منصوري في أبو كمال.

أحيانا تنطلق شائعات عن استشهاد سليماني، وأنها سبب على نهاية العمل في سورية. ويجب أن أقول ليس الأمر كذلك. للتو بدأ العمل. دماء الشهيد سليماني ألغى الكثير من الفتن. من قال في المجلس ماذا نفعل في سورية؟ الحقيقة هي أننا ذهبنا إلى سورية للدفاع عنكم. قال قائد الثورة إذا لم تذهبوا للدفاع سيدخل الدواعش كرنمشاه. تقول الحكومة أنها دفعت ميزانية الحرب مع داعش ولكنها لم تدفع في السنوات السبع الأخيرة. على الأقل يجب دفع مكافئات الاجانب في سورية. لا فرق بين الشهيد سليماني والقائد الجديد قا آني. صحيح أنّ العقل المدبر كان الحاج سليماني ولكن السيد قا آني لا يقلّ عنه. مازال لدى الحاج سليماني طاقات شباب ولهم اختصاصات ويعرفون العمل جيدا وشجعان. وحين أردنا اطلاق طائرة دون طيار أراد أن ترتفع جدا. كانت خمس كيلومترات في العمق، ولكن مما تفتخر به الجمهورية الاسلامية الإيرانية حين أرادت إطلاق طائرة دون طيار جديدة كانت قدرتها أكثر من 600 كيلومتر.

يعتقد البعض أننا في مثل هذه العمليات نبكي ونصيح. ولكن ليس الامر كذلك، نضحك ونمزح فيما بيننا. كنت قرب الموصل وكنت أفخخ المتفجرات. أطلق الدواعش علينا النار. طلبنا عبر اللاسلكي استهدافهم. قال الحاج قاسم عبر اللاسلكي: "ما الذي يحدث يا حاج مهدي، لا تصعب الأمور!" قلت له إنهم يستهدفونا. قال: "حين تستهدف لا مشكلة، طيب هم أيضا يستهدفونك!". فرضخت. قلت لنفسي اقصفوا ما طاب لكم... سألوني الشباب عما يحدث. فقلت لهم لا شيء! كنا نضحك متى ما حانت فرصة... حتى في أصعب المراحل وتحت نيران العدو.

النصّ الفارسي 



 
عدد الزوار: 2329


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 

الأكثر قراءة

نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة