دمج الوثيقة وشواهد التاريخ الشفوي

رواية الأحد الدامي في همدان حسب التاريخ الشفوي


جعفر كلشن روغني
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2020-6-19


في تاريخ الثورة الإسلامية، أيام دامية ومصيرية وبإمكان كلّ واحدة منها أن تكون نقطة عطف أو بداية لتوسع ووضوح الاعتراضات والاعتراضات الثورية للشعب الإيراني. وجرّب سكان طهران الكثير من هذه الأيام. أحد هذه الأيام، يوم 13 شهريور 1978 (عيد الفطر) وهو أول يوم لمظاهرات كبيرة شعبية في إيران. ومن بعدها جاءت أيام 17 شهريور (الجمعة الدامية) التي لا يمكن تناسيها في تاريخ الثورة. أيام 13 آبان (الهجوم على طلاب جامعة طهران)، 19 و20 آذر (مسيرة تاسوعاء وعاشوراء)، 29 دي (المسيرة المليونية في الأربعين الحسيني) وأيام 8 و12 و19 و22 بهمن وهي أيام محفورة في ذاكرة الشعب الإيراني. وهناك مثل هذه الأيام الحساسة والمهمة في بقية المدن والمحافظات. منها 19 مراداد (5 رمضان) في مدينة اصفهان حيث أوقع العسكر من المتظاهرين الكثير من الشهداء وأكثر من 60 جريحا. وحدث 24 مهر في كرمان المعروفة بحرق مسجد جامع والتي استشهد على إثرها العشرات وجرح أيضا العشرات، وهي من الأيام الثورية الإسلامية المعروفة في كرمان.

وكانت مدينة همدان من المراكز التي شهدت أياما مهمة وحساسة ودموية في تاريخ الثورة الإسلامية. ويمكن اطلاق تسمية يوم زحف تلامذة المدينة في ال30 مهر لنسة 1977. وقد شهد في تلك الأيام آلاف التلامذة حين تظاهرهم في الطريق المؤدي إلى الميدان الأصلي للمدينة أي ميدان بهلوي (الإمام الخميني الحالي) هجوم القوات العسكرية والامنية وبشهادة ثلاث أشخاص وجرح أكثر من عشرين شخص قد سُجّل في تاريخ المدينة. أثناء ذلك، دخل تلامذة ثانويات بهلوي (الإمام حاليا)، علويان وسيروس الكبير ورضا شاه (شريعتي حاليا)، ابن سينا ومعهد زاهدي (شهداء ديباج)، وثانوية بروين اعتصامي للفتيات، 14 إلى 18 عاما، دخلوا مشاركين في التظاهرات وضرب القوة السعكرية بقوة وهو ما تشهده يوما مدينة همدان. وقيل حول أسباب هذه التظاهرات الدموية العديد من الآراء وبالإمكان ذكر ثلاث عوامل مؤثرة: 1. سجن العديد من التلامذة المعترضين قبل أيام من التظاهرات؛ 2. مذبحة طهران في 17 شهريور وكارثة حرق مسجد جامع كرمان قي 24 مهر؛ 3. انتشار خبر في مدينة مبني على سجن تلميذة على يد الشطرة وهتك حرمتها.

وإذافة على مشاركة آلاف التلامذة والتلميذات، فقد شارك فيها أيضا طلاب الجامعات التجار ورجال الدين والناس. وحسب شهود عيان، وصل عدد المتظاهرين إلى 15 ألف متظاهر. وكان هذا العدد لافتا حينها لمدينة مثل همدان إذ كانت نسبة السكان حينها 1977، 150 ألف نسمة. من النقاط المهمة في هذه التظاهرات، وحسب مذكرات الشهود، كانت إثنان من الشعرات المهمة والأساسية في تاريخ ثورة إيران؛ أحدها "الموت للملكية والبهلوية" والثاني "الموت للشاه" وهي تدّل على غضب الشعب ومن ناحية أخرى تدل على تزعزع هيبة الدولة البهلوية وذات شخص محمد رضا بهلوي. وإن أطلقت هذه الشعرات من آبان 77 وما بعدها، فقد قيلت في كلّ التظاهرات وكلما وصلنا إلى نهاية عمر الحكومة البهلوية باتت تسمع أكثر، بيد أنّ إطلاق مثل هذه الشعارات في الأشهر الأولى من الاعتراضات، لها أهميتها. وقد سُمعت مثل هذه الشعارات في تشييع آية الله آخوند ملا علي معصومي همداني، مرجع التقليد المعرةف، في 4 مرداد 1977.

من النقاط المهمة واللافتة في هذه التظاهرات، عدد الجرحى وطريقة علاجهم. حسب الوثائق والمذكرات، جُرح 24 شخصا وسُجل بجهود كبيرة من الباحث القدير أبو الفتح مؤمن 9 حالات كجرحى في هذا الحدث. كيف أصابتهم الرصاصات وكيف جُرحوا، زمان ومكان نقلهم للمشفى وعلاجهم، وذلك في كتاب "نهضة التلامذة: دراسات نهضت تلامذة همدان في 30 مهر 1977". وقد جمع معلومات قيّمة عن طريق مركز وقائق غرب البلاد الوطني ومركز الشهيد في همدان، وكذلك حاور المشاركين في تلك الاحداث.

يمكن تقسيم الكتاب إلى ثلاث أقسام. 1. تاريخ مدارس همدان وكيفية تأسيس المدارس بطريقة دينية إسلامية وتربية تلامذة متدينين وثوريين؛ 2. تبيين يوم الحدث وعلل وعوامل وقوعه مع ذكر التفاصيل بداية المسيرات حتى المواجهة بالأسلحة وشهادة وجرح العديد ونفهلم إلى المستشفيات ومعالجتهم وتشييع الشهداء؛ 3. وصول الخبر للمدن المحيطة بهمدان وأثره على تحوّل الناس للثورة ومن ثمّ دعم المحافظات من قبل الجامعيين والمثقفين ورجال الدين والمحامين والقضاة ومراجع التقليد والإمام الخميني.

ويحاول الكاتب بجهد كبير عبر شرح إجمالي تبيين الأجواء الدينية والثورية لمعارضي الحكومة البهلوية في مدينة همدان تقريبا منذ 1962 أي بعد تصويب لائحة مراكز الولايات حتى القبض على أهم الثوريين في المدينة. من جانب آخر يشرح طريقة نمو المحافل الثورية والأشخاص المؤثرين فيها وتأثير آية الله آخوند ملا علي معصومي همداني وموته وتشييعه في 4 مرداد 77 على حركة الثورة في همدان؛ ثمّ يتطرق إلى طريقة تأسيس المدارس في المدينة وتاريخها. ويكمل في شرح تأثير الشيخ عباس علي إسلامي، مؤسس جامعة التعليمات الإسلامة إذ أسسّ أكثر من مائة مدرسة على أساس التعليم الجديد مع التعاليم الإسلامية، وهي المدرسة المعروفة اليوم ب "المجمع العلمي التعليمي الإسلامي" في مدينة همدان. ويتحدث الكاتب بصراحة عن الأثر الكبير لهذه المدرسة وبقية المدارس في تنمية الطاقات الدينية والثورية التابعة للإمام الخميني. وذكر في النهاية مواجهة الحكومة والساواك للثوريين والمعلمين والتلامذة ويأكّد على أنّ القبض على أشخاص في الأعوام 1972 و74 "قبض على "كلّ ثوري همدان" وسُجنوا ونفوا (ص 63). ومن البارزين بينهم السادة حسن مشتاق، الحاج محمود آزاديان، سيد كازم أكرمي، علي أقا محمدي، محمد صالح مدرسه اي وحسن كوشش وقد نجح الكاتب بمحاورة الأشخاص الأربع المذكورين بداية. وحسب معطيات الحوارات، فقد دعم هذا القسم بالشواهد. ولحسن مشتاق ذكرى جميلة جدا عن لقائه مع الإمام الخميني بعد اطلاق صراحه من السجن وعودته إلى قم في 1972.

القسم الأكبر من الكتاب، يحتوي على حوارات ومذكرات. يشير بداية إلى تأثير إقامة مظاهرات يوم الثلاثين مهر وحدث 17 شهريور طهران وأهميتها الكبيرة في بروز غضب الجماهير في همدان. ويذكر ثلاث ذكريات من شهود عيان همدانيين شهدوا حدث 17 شهريور طهران، الصفحة (79). ثم يتطرق إلى الشائعات التي توزعت في همدان والتي أثرت على نفسية المدينة وزادت النار في الهشيم ضدّ الحكومة؛ شائعة القبض على تلميذة باسم أردكاني وهتك حرمتها في السجن. وأكدّ الكاتب عبر الوثائق والادلة التاريخية وذكريات بعض الثوريين في المدينة، أنها مجرد شائعة. وكان من الممكن للكاتب أن يترطق إلى علل وأسباب وأثر وتوزيع مثل هذه الشائعات وتأثيرها وأثرها.

يحاول مؤمن عبر تقديم مذكرات عدّة ثوريين وتلامذة ونشطاء، أن يقرّب شبكة التلامذة وتأثيرها على مظاهرات 30 مهر. ويستخدم هنا مذكرات حسن سلطاني، مذيع في الإذاعة والتلفزيون، وكان حينها تلميذا في ثانوية بهلوي، مركز التلامذة الثوريين. وبالطبع بالإتكاء على ذكرى حميد عسكري وأيضا دور ثلاث فرق سياسية نشطة في تنظيم التظاهرات ويقول: "كانت البداية مع فرق دينية وهم شباب أهل قيم وأساس ديني. الفريق الثاني هم اليسار والأخير القريبون من فكر مجاهدين خلق". (ص 102)

وبعد أن يبين الكاتب أسباب وعلل وأرضيات تظاهرات الثلاثين من شهر مهر، يشرح أحداث المظاهرات مع ذكر التفاصيل وحركة الأفراد والتجمعات من نقاطة مختلفة للوصل إلى ميدان المدينة الكبير أي ميدان بهلوي واطلاق النار بصورة مباشرة على المتظاهرين عبر الاعتماد على ذاكرة المحاورين. من ضمن المذكرات، هناك ذكرى لافتة عن حضور الشهيد السردار الحاج حسين همداني في هذه التظاهرات نقلها الدكتور هوشنك باب الجوائجي، (ص 132). ومن النقاط المهمة في الكتاب، تقديم حركة المظاهرات وترتيبها. وليت الكاتب قدّم خريطة للمدينة وايضاح حركة المظاهرات حتى الوصول إلى ميدان بهلوي حتى يفهم القاؤئ جغرافية المدينة.

ولا ريب أنّ أجمل الموضوعات المطروقة هي المتعلقة بإصابة الناس بأعيرة نارية ونقلهم للمستشفيات ثم العمليات الجراحية وفترة العناية بهم وكان للدكتور مصطفى أنصاري مسؤل قسم الطوارئ حينها في مشفى إكباتان والدكتور هوشنك صبا. وللوصل إلى هذه المعلومات، حاور الكاتب الجرحى والشهود، وخاصة الدكتور أنصاري. كان الحوار العام 2016 مع الدكتور انصاري، وتطرق فيه إلى الجهود الكبيرة والعظيمة للطاقم الطبي رغم الأوضاع الحرجة. ثم يتطرق إلى عملية كسب المعلومات الدقيقة وكيفية استشهاد ثلاث شهداء في هذه الاحداث.وقبل هذا الكتاب عُرف فقط شخصان استشهدا في هذه الأحداث وهما قدرة الله داوري وباقر مصفا، ولكن وبجهود الكاتب، أضيف اسم شكر الله حيدري (حيدرة) إلى جمع الشهداء. والسؤال المطروح هنا لماذا لم يذكر الكاتب نصّ شكوى تقدم بها جمع من المجامين والقضاة في همدان إثر هذه الحادثة في 2 آبان 1978. وجاء في نصّ الشكوى: "البارحة في الساعة 3 بعد منتصف الليل، قام مجهولون بالقوة بدفن 12 جثة كانوا في مشفى إكباتان وإضافة لذلك دفنوا 4 أشخاص في بهار همدان". ص 200)

ومن الموضوعات المثيرة التي تطرق لها الكتاب عملية حرق سينمات ألوند وهما ولكوس وبارس في همدان أثناء مسيرة 2 آبان اعتراضا على جناية ثلاثين مهر. ويصل الأمر بالمتظاهرين إلى محاولة اسقاط تمثال رضا شاه وتفشل محاولتهم بعد تدخل العسكر (196). وقد اسقطت التماثيل بعد هروب الشاه قي 26 مهر، وقبل تمّ اسقاط القليل جدا من التماثيل. قد يكون أهمها تمثال محمد رضا شاه في مدخل جامعة طهران العام 1977. وينهي الكاتب نصّه بذكر المصادر وفهرست 38 محاور. وأضاف صور المحاورين وصور المظاهرات. العجيب في الأمر أنّ الغلاف خلى من هذه الصور وأضيفت صورة خطأ من صلاة طلاب الجامعة لجامعة طهران في أيام الوحدة الوطنية. وحمل الكتاب وثائق ولكنها مع الأسف غير واضحة بسبب سوء الطبع.

وفي النهاية رغم وجود اخطاء في الصفحات 17 و78 و79 و121، لكنه ثمين باتكائه على التاريخ الشفوي والقارئ سيعرف حجم الجهد الذي بذله المؤلف.

صدر الكتاب العام 2019 عن دار الكتاب الوطني في 336 صفحة.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2293


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة