كتاب (من جدار تختي إلي الرمادية)

ذكريات الحرب سيئة ومريرة، ادفنوها ولاتتحدثوا عنها!

ذكريات محرر من عشائر بهمئي

جعفر كلشن روغني
ترجمة: حسن حيدري

2021-3-8


 

"سلوك الحراس العراقيين وتعذيبهم الذي رأيناه، تبدو العودة إلى الوطن بمثابة حلم لنا حتى سمعنا نبأ قبول قرار الصلح بين الطرفين. تحدثت إلى جميع زملائي في الغرفة وكانوا يأملون في الحرية. ذات ليلة أمر ضابط عراقي حراسنا بجمع السجناء في ساحة المعسكر. اجتمع وبدأ في الكلام. أرادوا منا ألا نقول شيئاً عما كان يحدث في المعسكرات العراقية. قال: لا تجعلوا أهلكم يرددون ذكريات الأسر السيئة والمريرة. بدلاً من إخبار الشعب الإيراني بما حدث لكم في المعسكرات العراقية، أخبروهم عن الحرية والفرح بلقائهم. ذكريات الحرب سيئة ومريرة، وبإخبارهم سينتاب الحزن كلاكما. ادفنوا كل ذكريات أسركم هنا وعودوا إلى بلدكم". (ص117)

يمكن اعتبار هذه التعبيرات أهم سبب وضرورة لتسجيل ونشر مذكرات المحاربين القدامى والمحررين. تظهر هذه التصريحات بوضوح خوف نظام صدام البعثي من قول ما حدث للأسرى الإيرانيين في الماضي، ويمكن أن تكون هذه المذكرات بمثابة ذلة وهوان البعثيين لقرون لفضح الوجه اللاإنساني والهمجي لهم والذي سيطلع عليه العالم أجمع. من الأفضل الآن فهم مدى أهمية ذكريات كل سجين ومحارب. أصبح من الممكن الآن فهم مدى ضرورة وأهمية الاهتمام بأدب الإستدامة والمقاومة ونشر المذكرات وكتابة تاريخ الدفاع المقدس.

الجمل المذكورة هي جزء من كتاب "من جدارتختي إلى الرمادية" هو مذكرات عبد الصالح خاك نجاد من السجون العراقية، كتبتها السيدة آسية خاك نجاد ونشرتها دار سورة مهر بعناية مكتب دراسات الثقافة والاستدامة في  كهگيلويه وبوير أحمد في عام 2019م. السيدة باك نجاد حاصلة على شهادة الماجستير في أدب الاستدامة من جامعة إصفهان وهذا هو رابع كتاب لها. منذ سنوات عديدة، نشرت مذكرات عن السنوات الخمس التي قضاها عمها في الأسر، حتى عام 2017م، وبناء على اقتراح شقيقها، قررت إكمالها وإعادة كتابتها ونشرها. لذا أكملت المواضيع ونشرتها مرة أخرى في 30 جلسة مدة كل منها ساعتان على مدى 4 أشهر.

في مقدمة الكتاب، تذكر آسيا خاك نجاد المشاكل الرئيسية الثلاث التي واجهتها في تأليف الكتاب. أولاً، "لم أستطع أن أتحمل عندما تحدث عمي عن التعذيب، والبيئة، وسلوك العراقيين، والصحة، وما إلى ذلك، وتركت الكتاب لفترة لأعيد إلى صوابي وأبدأ من جديد. والثاني أنّ عمي لم يكن يحب الحديث عنها في البداية، وحثثته، والسبب أنه لا يحب أن يتذكر تلك الذكريات المريرة. لأنه هو نفسه كان منزعجاً وكان يبكي أحياناً. والسبب الآخر هو مرور وقت طويل على أسر عمي الكريم ولا يتذكر العديد من الأحداث ولا تزال بعض الأسئلة دون إجابة. غالباً ما كنت أتخطى فصلاً في كتاب وأركز عليه بعد بضعة أيام لاستعادة الذكريات. حصلت أيضاً على مساعدة من أصدقائه وشاركوني ذكرياتهم غير المعلنة ... لأنني كنت أتعامل مع الكثير من الأسئلة، في كل مرة يتم فيها تذكيري بالأسئلة، كنت أذهب إلى عمي أو أتصل به، شعرت بحزن عميق جراء التعذيب والمصاعب التي تعرض لها عمي أثناء أسره حينما أستمع إليها. وأحياناً أتخلى عن القلم. ومع ذلك، فقد مررت بلحظات حلوة وتجارب ناجحة مع نهاية كل قسم من الكتاب. البهجة المعنوية لكتابة الكتاب ستكون دائماً معي".(ص9و10)

ولد عبد الصالح خاك نجاد، ابن علي صالح خاك نجاد، في 21 مارس عام 1952م في قرية جدار تختي في القسم المركزي من مدينة بهمئي في محافظة كهكيلوية وبوير أحمد. مثل غيره من سكان هذه القرية، فهو من عشيرة حسن من قبيلة البابلي ويعتبر أحد اللر البختياريين ويتحدث اللهجة اللرية. وهو الإبن الثالث بين ستة أشقاء وثماني أخوات من زواج الأب لثلاث مرات. وهو من أسرى القبائل وهو بنفسه يقول اننا كنا رحّلا. وُلد أحد إخوته يوم عودته من الأسر وتم تسميته في الجنسية بـ جهانغير. لكن والدي ينادي اسمه في المنزل بمناسبة إطلاق سراحي باسم (آزادي)، والجميع يناديه ب بهذه التسمية" (ص 24). واصل دراسته حتى بلغ العاشرة من عمره، ماشيا مسافة 30 كيلومتراً ليصل إلى قرية سرخوني، ليلتحق بملا القرية الحاج محمد جاودان. ثم ترك المدرسة ليعمل كعامل لتأمين ما يحتاجه في الحياة. في سن الخامسة عشر انتقل إلى آبادان على بعد 450 كيلومتراً من قريته. هناك عمل كعامل لكسب لقمة العيش. في عام 1977 تزوج من "فرنك جوج" وأنجب منها خمسة أبناء هم عادل وعصمت وزهراء وصابر وأسماء. توفيت زهرة عن عمر يناهز 4 أشهر أثناء أسر والدها.

أثناء عمله في آبادان، تعرّف عبد الصالح على أفكار الإمام الخميني (رحمه الله).عملت هناك أياماً حتى صلاة المغرب وبعد ذلك ذهبت إلى مسجد جامع خرمشهر بعد الصلاة والعشاء، نمت هناك على قطعة من الكرتونات. كما كان آية الله جمي، إمام المصلين، كان يقول أشياء لم يكن الكثير منّا على علم بها. كانت كلماته عن الوضع في البلاد وبؤس الشعب الإيراني وفقره ووجود زعيم قال إنّ الشعب تبعه لمحاربة النظام الشاهنشاهي. هكذا تعرفت على أفكار الإمام الخميني (رحمه الله). عندما جئت إلى القرية كررت كلام آية الله جمي وأبلغتهم بالوضع في البلاد. لأنّ الناس كانوا قريبين جداً من بعضهم البعض وكانوا يذهبون إلى منزل أحد القرويين كل ليلة ويجلسون، كنت أتحدث عن تلك المحاضرات الليلية". (ص26)

عاد إلى قريته بعد مشاهدة الحريق في سينما ركس آبادان. متأثراً بكلمات أخيه الأكبر محمد صالح، الذي شجع القرويين على الذهاب إلى الجبهات منذ بداية الحرب، ذهب إلى الجبهات لأول مرة في 4 أبريل 1983 م بصفته فرد من قوات الباسيج. بعد خضوعه للتدريب العسكري في ياسوج، التحق بكتيبة المهدي التابعة لأبناء محافظة كهكيلويه وبوير أحمد تحت قيادة سهرابي، واختار العمل في المطبخ. كنا نعد الطعام كل يوم وننقله إلى المقاتلين في سيارة الحرس الثوري. عاد إلى المنزل بعد حوالي 9 أشهر. في المرة الثانية، بعد ولادة ابنته زهراء في 3 فبراير 1986 م، توجه إلى الجبهة بعد ثلاثة أيام وأصبح مقاتلاً في الفرقة 25 كربلاء الخاصة بقيادة مرتضى قرباني، حيث كانت تختص بمقاتلي مازندران فقط، ولكن كانوا مقاتلين من كهكيلويه وبوير أحمد موجودين أيضاً. شاركت الفرقة في عملية والفجر 8، والتي تهدف إلى السيطرة على الفاو ثم التقدم نحو البصرة. وكان في هذه الفرقة أحد أفراد كتيبة سيف الله 2 بقيادة حسين تفضلي وخلفه الشهيد عطاء الله حسيني. بدأت العملية مساء 9 فبراير 1986م، مما أدى إلى السيطرة على الفاو.

"بعد الوصول إلي الفاو، رفع مرتضى قرباني العلم الإيراني على مئذنة المسجد في الساعة 9 صباحاً. تبرك العلم في ضريح الإمام الرضا (عليه السلام) وعلمت ذلك من خلال أحد المحاربين. وكتب عليه السلام عليك يا علي بن موسى الرضا. انفجر الجميع بالبكاء بعد رفع العلم وانتابهم الأمل والشجاعة. بعد نصب العلم، لقد حضر كل من آية الله خامنئي وآية الله هاشمي رفسنجاني ومحسن رضائي، وقدّم آية الله خامنئي هدية لكل واحد منا. بعد ذلك أمرنا القائد بالمضي قدماً وقال: "سينضم إلينا مقاتلون آخرون يسيرون خلفنا وسيلتحقون بركبنا في غضون ساعات قليلة". (ص39)

وكان عبد الصالح من بين الاشخاص الذين حاصرتهم القوات العراقية وأسرتهم مع تقدم القوات باتجاه البصرة على بعد 45 كيلومتراً من المدينة وبالقرب من مصنع الملح ومفترق الموت. كما استشهد بالطبع بعض أصدقائه مثل علي خوب زاده وخداداد عبادي فرد ومحمد رضا داستان وماندني وحدت نجاد. واضاف إنّ "الجنود العراقيين كمموا اعيننا وضربونا ببندقياتهم. على الرغم من أنني لم أعد حراً، إلا أنني ما زلت لا أصدق أنه تم القبض علي. الشيء الوحيد الذي لم أفكر فيه خلال الفترة التي أمضيتها في الجبهة هو الأسر. كانت كل أفكاري ورغباتي استشهادية، لكن القدر أراد شيئاً آخر. عندما تم القبض علي كنت حزيناً جداً وأقول لنفسي ماذا سيحدث لي؟ هل عائلتي على علم بأسري؟ كان عقلي منشغلا بهذه الأفكار، عندما جئت إلى صوابي، وجدت نفسي أسيراً أسير أمام الجنود العراقيين. (ص41)

كرست السيدة خاك نجاد القسمين الثالث والرابع من مذكرات عمها (من الصفحات 42 إلى 119) لوصف حالته أثناء أسره وتذكر ذكرياته عن 5 سنوات الصعبة. في الجزء الثالث من الكتاب تسرد ذكرياته منذ بداية أسره حتى وصوله إلى مخيم الرمادي في محافظة الأنبار في أقصى غرب العراق على الحدود الأردنية. تم القبض على عبد الصالح في 11 فبراير 1986. بعد محاولة الفرار الفاشلة، تم إرسالهم إلى البصرة مع العديد من الأسرى. وأضاف: "لم يعطونا ماء او طعاما بالقرب من البصرة ولم نتمكن من التحدث مع بعضنا. عندما وصلنا إلى البصرة، أحضروا راقصات ورقصن أمامنا لإظهار فرحتهم وسعادتهم على أسرنا. طأطئنا رؤوسنا وصفعنا الجنود العراقيون علي وجوهنا وقالوا يجب أن ترفعوا رؤوسكم. تدريجياً انضم إلينا سجناء من كتائب أخرى، وكنا سعداء لتمكننا من الحصول على معلومات حول العملية منهم. لم تعطونا لا الماء أو الطعام خلال هذه الفترة. في تلك الليلة وضعونا بين الأسلاك الشائكة وضربونا بالكابلات حتى الصباح. تمزقت ملابسنا بفعل ضربات الأسلاك وسيل الدم من أجسادنا واختلط بالطين تحت أقدامنا. بعد تلك الليلة الصعبة في 15 مارس 1986، جاء العديد من الصحفيين والمصورين لإجراء مقابلات في الصباح. عادت الراقصات مرة أخرى ورقصن، وإذا طأطئنا رؤوسنا، كانوا يضربون أجسادنا الجرحى بكابل لنرفع رؤوسنا إلي الأعلي. (ص46)

مثل غيره من السجناء في معسكر البصرة والمخابرات، تم استجوابه وتعذيبه. على حد تعبيره "كان أسوأ طرق تعذيبهم هو تشغيل المكواة لتسخينه جيداً، ثم جره علي أجسادنا. ومن بين عمليات التعذيب الأخرى التي نفذتها مخابرات البصرة، هو تعليق السجناء على مروحة سقف بالمقلوب، وحرق أجسادهم بأعقاب السجائر والأسلاك، وجلدهم. أراد قلبي أن ينفجر من الألم حيث تم وضع المكواة الساخن على الجروح التي أصابت جسدي بواسطة الكابل. إذا صرخت، فإنهم سيسحبونه أكثر فأكثر على جسدي. كان عليّ أن أصمت. استشهد الكثيرون تحت التعذيب. (ص 46و47)

تم إرساله إلى بغداد مع أربعة سجناء آخرين بعد أربعة أيام. وأضاف: "عندما وصلنا الى بغداد، خرجنا الى الشوارع. جاءت النساء الراقصات ورقصن في الشارع وهن يلقين الفاكهة الفاسدة علينا. خفضنا رؤوسنا، لكنهم صفعونا تحت ذقوننا ورفعوا رؤوسنا. كانت هناك دماء تحت أقدامنا. اذتنا رائحة الدم. لقد ضايقونا كثيراً وقالوا إنكم لستم جنود عاديون جاءوا بهم بالقوة. لقد تطوعتم أنتم بأنفسكم للباسيج. حتى مساء ذلك اليوم، أخذونا في شوارع بغداد وسط فرح ورقصات النساء، ثم أخذونا إلى معسكر بغداد. كما تحملنا كل ما تعرضنا له من تعذيب في زنازين البصرة في زنازين بغداد أيضاً... بعد حوالي 8 أو 9 أيام انتقلنا من بغداد إلى مدينة الرمادية في محافظة الأنبار. وفي الطريق قالوا اهتفوا "الموت للخميني". لكننا لم نقل وضربونا بكابل. (ص47)

كرست السيدة خاك نجاد الجزء الرابع من الكتاب لذكريات عمها في مخيم الرمادي المعروف باسم مخيم10. في الفصل الأول من هذا القسم، يقدّم صاحب المذكرات صورة للموقع وكيفية بناء المخيم. لم تكن هناك تهوية أو تبريد. تم بناء الغرف لتكون باردة في الشتاء وحارة في الصيف. صفان من المصابيح الفلورية يغطيان السقف ويعملان لمدة 24 ساعة طوال اليوم. كانت الخرائط 1 و 3 على اليسار، والجزءان الرابع والثاني على اليمين. (ص 51) ثم يصف حالته النفسية لدخول مثل هذا المكان على النحو التالي: كنت صامتاً وغرقت في نفسي. دون التفكير في أي شيء أو أي شخص. عندما وصلنا إلى مخيم الرمادي في محافظة الأنبار في الخامسة مساءً، شعرت بشعور غريب... عندما دخلنا، وقعت أعيننا على الأسلاك الشائكة التي تخيلها على شكل سجن مروع. لم يكن هناك أحد وكنا أول سجناء يدخلون في ذلك المكان". (ص52)

وقال: "دخلنا المصحة وأعطي كل منا بطانيتين ووسادة وكوبا" متذكراً كيفية ترحيب الحراس العراقيين بهم وكيف تم تشكيل نفق الموت. كان المخيم في حالة صحية سيئة. تم وضع حوالي 65 منا في غرفة 4 في10 مع مروحة سقف معلقة. لم يكن المكان يتسع لـ 65 شخصاً في الغرفة. بعدنا، شيئاً فشيئاً، تم جلب سجناء آخرين. كان علينا التكيف معها. حاول بعض الشباب الجلوس ليستريح الآخرون وذلك لضيق المكان. لم يكن هناك مكان للاستلقاء في الغرفة للنوم. الأرجل موجهة للوجوه وكان بعضهم ينام وهو جالساً (ص 53). ثم يتذكر كيف قضى الأيام الأولى الصعبة عندما لم يُسمح لهم حتى بالصلاة وقضوا الأيام بتناول أقل كمية من الطعام. إبلاغ قواعد تصنيف المعسكر رقم 16 وتقسيم العمل بين السجناء وكيفية العد والآثار النفسية والجسدية لأجواء المصحة السيئة على الأسرى والتي كانت شديدة الحرارة صيفاً وباردة جداً شتاءاً، عانى الأسري من أمراض مختلفة مثل الإسهال الدموي وضربة الشمس.

في الفصل الثاني من مذكراته، يتذكر خاك نجاد كيف كان يطبخ في المخيم: "ذات يوم في الأيام الأولى من الأسر، تم اصطحابنا من الغرفة إلى الفناء ووقفنا في صفّ. تحدث النقيب العراقي وقال: أي واحد منكم يمكنه طهي الطعام؟ نظرنا لبعضنا البعض بصمت. وكرر: إذا لم يصرح أحد منكم باستعداده للطبخ، فعليكم أن تأكلوا الطعام نيئاً من الآن فصاعداً. كنت أعرف كيف أطبخ، نهضت لأتحدث، لكن الشباب لم يسمحوا لي. كانوا يخشون أن يكون لديهم خطة لنا. اتكلت على الله، قمت وقلت: أعرف كيف أطبخ. ورائي شخصان آخران من طهران نهضا أيضاً. لقد اندهش العراقيون من شجاعتنا. توقفوا لبضع دقائق. نظر النقيب إلينا غاضبا وقال بصوت مرعوب: ماذا كانت وظيفتك قبل ذلك وأنت تدعي الآن أنك طاهٍ؟ قلت بصوت خافت: كنت أطبخ في شركات إيرانية. كان صامتاً. نظر إلى الإسكندر مرة أخرى، وهو من طهران، بنفس الغضب. فسأله: وماذا كنت تفعل ومتى تعرفت على هذه الوظيفة، قال: كنت طباخاً في حسينيات سيدي الإمام الحسين (عليه السلام). قال: ما علاقتك بالحسين؟ الحسين منّا ولا علاقة لكم به؟ كانوا يبحثون عن عذر وبسبب في كلام اسكندر، قاموا بضرب الجميع مرة أخرى بكابل. ثم تم اختياري طاهٍ واسكندر وثلاثة شباب آخرين كمساعدين. (ص61و62)

في نفس الفصل، يروي استشهاد أحد الأسري: "في الأشهر الستة الأولى، تعرضنا للضرب ثلاث مرات في اليوم بكابل. في أحد الأيام قاموا بضربنا بشدة على رأسنا بكابل، حتى أنّ أحد الشباب وهو من سمنان، شُقّ رأسه حتى سقط على الأرض وهو ينزف دماً واستشهد علي الفور، بعد بضع دقائق، تألمنا له من الداخل لكننا لم نجرؤ على رفع رؤوسنا. رفع العراقيون جسده بأسوأ صورة وأخذوه معهم وقالوا لنا أن نذهب إلى الصالة. كان الأمر كما لو كانوا خائفين من ثورتنا". (ص63)

يتحدث في هذا الفصل عن طعام كل أسير. رغيفان من الخبز في اليوم (نوع من خبز السندويش) تم استخدام عجينهما في صنع الحلاوة الطحينية، والمزيد من الحساء على الإفطار مع 4 كيلوغرامات من العدس و 1 كجم من الأرز لـ 270 شخصاً. يتذكر جيداً أنه لم يكن أي من السجناء خلال سنوات الأسر ينام بمعدة ممتلئة بين عشية وضحاها. لم يجرؤ أحد على الاحتجاج. لأنهم قالوا إنهم سيعطوننا ما يكفي من الطعام حتى لا نموت، وسيستبدلوننا بأسرى عراقيين (ص 67). لم يكن ثلج أو ماء بارد، لأنّ مياه الشرب كانت شديدة السخونة حتى في الصيف.

في الفصل الثالث، يعبر خاك نجاد عن ذكرياته في إقامة الاحتفالات، بما في ذلك الاحتفالات والحداد. كان النعي على الإمام الحسين (ع) ممنوعاً وكانت هناك عقوبات شديدة تترتب علي من يقوم بها. وكذلك الحداد على وفاة الإمام الخميني (رحمه الله) أو الاحتفال بذكرى 22 بهمن (11 فبراير) وعيد النوروز، كما حرمت علينا صلاة الليل والمستحبات. لم يكن لأحد الحق في أن يضع تربة أمامه للصلاة". (ص70)

وقد أدرجت السيدة خاك نجاد ذكريات عمها عن صحة المصحة والمخيم وسلوك العراقيين وتدريب وترفيه الأسرى في الفصول التالية. وقد وردت أنواع من التعذيب مثل رش الملح على الجروح، والتسمير، وكي الجسم، والتجميد في الماء المثلج في البرد والجلد، والنوم على الرمال الساخنة في الصيف فوق 50 درجة مئوية، وقلع الأسنان بالفرشاة.

وبحسب الراوي، فإنّ أحلى جزء من فترة الأسر هو زيارة كربلاء والنجف قبل الإفراج عنه. وأضاف وصلنا الى كربلاء بقلوب دامية وعيون دامعة. صرخ جميع الأولاد بصوت عالٍ. نزلنا وذهبنا إلى الضريح و نحن نردد الصلوات. ضربنا الحراس بالهراوات والأسلاك وأخذونا إلى الضريح. وتدريجياً اختبأ العديد من الشباب وسط الحشد وصرخوا: من أجل صحة الإمام وإبادة صدام اللعين. (ص110و111)

أطلق سراح عبد الصالح خاك نجاد في أغسطس 1990 بعد أن أمضى خمس سنوات في الأسر. عندما سمع بوفاة ابنته زهراء عن عمر أربعة أشهر، كان حزيناً لدرجة أنه لم يستطع التخلص منها بعد سنوات عديدة. سنوات من الأسر كان لها تأثير عميق على روحه وجسده. على حد تعبيره: "حتى بعد فترة من تحريري من الأسر، ما زلت لا أصدق أنني لم أعد في المخيم وأنني كنت أعيش بسلام في قريتي. عندما استيقظ كل صباح كنت أعتقد أنني في المخيم وكان عليّ انتظار الجنود العراقيين. ذات صباح، أدركت زوجتي أنني في عالم آخر. نادتني وأجبت وأنا في حالة من الخوف وقمت بسرعة. سألتني: ما الذي أصابك؟ هل هو كابوس؟ بعد ذلك، عدت إلى نفسي وقلت أعتقد أنني ما زلت في المخيم. لا أصدق أنني تخلصت من كل ذلك التعذيب والألم. بمجرد سقوط فتات الخبز على الأرض، التقطتها وأكلتها. قلت لنفسي سأكون راضياً بها ولست بحاجة للغداء. نادتني أختي حكيمة: ماذا تفعل يا أخي؟ رفعت رأسي وقلت: ألست في العراق؟ قالت لا. قلت: ظننت أنني في العراق فجمعت الخبز لآكله وأشبع. لأنهم قدموا لنا القليل من الطعام هناك. لا تزال آثار الأسر على روحي وعقلي وجسدي وأفكاري باقية. كنت لطيفاً جداً مع أهلي وعائلتي وعاملتهم بلطف، لكنني لم أستطع التحكم في نفسي كلما أغضبني شيء أو شخص. في كل مرة أشعر بالضيق من أطفالي وهم يفعلون شيئاً، أشعر بالغضب الشديد لدرجة أنني أبحث عن الكابلات وأسلاك الكهرباء وأضربهم. لا أحد يستطيع أن يمنعني لأنني ضربتهم بكابل. عندما أهدأ، يقول أفراد الأسرة، لقد أصبحت مثل الجنود العراقيين، وأشعر بالأسف على نفسي". (ص130و131)

في نهاية الكتاب، تم تخصيص الصفحات لصور السيد خاك نجاد، والتي تم للأسف نشرها بجودة رديئة للغاية.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2215


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة