مقطع من مذكّرات مرضية حديدچي (الدباغ)-1

المترجم: مقدام باقر

2023-12-16


جاء لاستقبالنا إلى سلّم الطائرة عدد من رجال الدولة السوفيتيّون، ومن ضمنهم إمام مسجد موسكو الكبير ومستشار غورباتشوف برفقة عدد من الدوبلماسيّين الإيرانيين. وفقًا للأعراف الدبلوماسيّة، كان لا بدّ لرئيس الوفد أن يكون أول من يخرج من الطائرة. وكانت هذه المسؤولية على آية الله جوادي آملي. ثم نزلنا خلفه من سلّم الطائرة. كان قد وقف شخصيّات عديدة قريبًا من السلّم. كان أحدهم والذي كان يلبس نظّارة ضخمة ويبدو أنه مدير التشريفات، ينظر إلينا بدهشة واستغراب. أظن أن زي سماحة آية الله الشيخ جوادي آملي بعمامته وعباءته وكذلك زيّي بالعباءة والحجاب قد أثار عجبه. كأنه لم ير طوال عمره عالمًا معمّما ولا امرأة محجبة.

لقد بلغت حيرته إلى درجة من الشدّة بحيث خلافًا لعرف الاستقبال الذي كان يفترض أن يقدّم شدّة الورد إلى رئيس الوفد، قدّمها لي! فمن أجل أن أطلعه على خطأه وأفهمّه بأن الشيخ جوادي آملي هو رئيس الوفد، سلمّت شدّة الورد إليه.

من خلال توضيحات أحد الدوبلماسيّين عرفت أن حضور مستشار غورباتشوف في فريق الترحيب له مدلول إيجابي. لأنه لا يحضر للترحيب عند سلم الطائرة إلا لاستقبال الملوك ورؤساء الجمهورية. وهذا ما يدلّ على عظمة الإمام في تلك البلاد.

كانت ثلاث سيارات سود واقفة بانتظارنا. فجلس السيد لاريجاني والسفير في سيارة. وأنا ركبت سيّارة أخرى والشيخ جوادي آملي ركب سيّارة أخرى.

ذهبنا عبر السيّارات إلى مكان كان أشبه بالمعسكرات. مجمّعات موحّدة الشكل وبطابقين. ذهبوا بنا إلى إحداها. كانت بناية كبيرة وفيها غرف كثيرة.

قدّموا لنا ضيافات ليست بكثيرة ولأن مراسم التشريفات وأعباء السفر قد أتعبتنا كنّا بحاجة إلى الاستراحة. فمنحوا لكلّ منَا غرفةً. فكانت غرفتي بجوار غرفة آية الله الشيخ جوادي آملي.

كان السفير الإيراني يعلم مسبقًا بأننا لن نأكل الطعام هم سيعدّونه لنا. ولذلك قال لمدير التشريفات بأن الضيوف سيأكلون وجبة العشاء في السفارة الإيرانية، بذريعة أن الوفد الإيراني لن يبقى سوى ليلة واحدة وبودّ العوائل الإيرانية أن تلتقي بهم لتستفسرهم عن الثورة والقضايا الإيرانية. كانوا يرفضون ذلك في بداية الأمر. وكان مبررهم عدم وجود التغطية الأمنية لها.

وأخيرا تم الاتفاق على أن نتعشّى في السفارة الإيرانية ثم نعود إلى عمارتهم. كان قد اظلمّ الجو فما عاد ممكنًا رؤية معالم المدينة. ولكن فوارغ الشوارع كان مدعاة للعجب. كأن الناس جميعًا كانوا قد فرّوا من البرد القارص ولجأوا إلى منازلهم. قلت في نفسي: ولكن شوارع طهران مكتضّة بالناس بين ذاهب وآت. لم استشعر حيويّة من أبناء ذاك البلد فكأن معنوياته هابطة. قلقي من يوم غد شغلني عن التفرّج على الشوارع. فكان معظم تفكيري في يوم غد.

حين وصلنا إلى السفارة الإيرانية، شعرت بالارتياح وأحسست كأنها بلدي. وقد عزّز هذا الشعور حرارة احتفاء عوائل موظّفي السفارة الإيرانية بنا.

أحاطوا بنا جميعًا وأخذوا يسألوننا بما كان عندهم من أسئلة. من الأسئلة الفقهية إلى القضايا الداخلية والحرب وغيرها. صلّينا براحة بال ثم جلسنا على طاولة الطعام. ثقتنا بطيب الطعام وحلّيته جعلت وجبة عشاء تلك الليلة أطيب بمذاقنا. بعد وجبة العشاء، جلست أتحاور مع نساء السفارة. سألتهن عن وضع النساء في البلد. قلن يتحتّم على النساء والرجال جميعًا أن يعملوا وإن تساوي الأزياء بين الرجال والنساء لا يخلو من تأثير في هذه الظاهرة. حتى أصبحت زوج أعلى شخصية في البلد، ترتدي القاط الرسمي الذي ترتديه زوج أقل الموظّف البسيط في الحكومة!

فقلت في نفسي لقد ضيّع هؤلاء أهمّ الأشياء ثمّ تمسّكوا بساوي المرأة والرجل في عمل والزي!

بعد عدّة ساعات رجعنا عبر السيارات نفسها إلى بناية سكننا. كان قد وقف عدد من الحماية أمام الباب. ذهبنا إلى الطابق العلوي. فارقت الإخوة وذهبت إلى غرفتي. كان السكوت سائدًا. كنت أشعر أن الغرفة مليئة بالكامرات الخفيّة والأصوات تُنصَت. أن أكون مراقَبَة في كل حال، كان مزعجًا. كنت قد سمعت كثيرًا عن أجهزة التجسس السوفيتية وكنت أعلم أنهم لم يهملونا. كانت تلك الليلة أزعج ليلة مرّت في حياتي. حينما كنت أتصوّر العيون الخفية التي لم يخف عنها أقل حركة تبدر منّي، كان يضيق بي المكان. بدأت أبحث في أماكن الغرفة، في مجرّاتها وتحت السرير لكي أجد لاقطة أو عينًا ألكترونية. ولكن لم ينته تفتيشي إلى نتيجة. نمت بحجابي وسترت وجهي بمرفقي، لئلا يصوّروني فيما إذا كانت هناك كامرة في الغرفة.

على أي حال مضت تلك الليلة وأصبحتُ. ألقيت عباءتي على المغسلة وتوضأت تحتها ثم صلّيت باتجاه القلبلة التي دلّني عليها الإخوة في السفارة. ثم ألقيت حقيبتي على كتفي وخرجت من الغرفة.

هديت إلى قاعة لتناول الفطور. أخذت عيناي تبحث عن امرأة أو نساء قد يعلمن هنا، ولكن يبدو أن العمارة خالية من امرأة!

كانت طاولة الفطور بسيطة جدّا. كان فيها زبد وجبن وخبز وبضع بيض مسلوق مع أكواب الشاي. لقد أرسل الإخوة في السفارة خبز التوست. كانوا قد ضمّوا بأن هذا الخبز أروح علينا من الصمون المدوّر المتعارف هناك! تناولنا الطعام بخبز التوست وبيضة مسلوقة. أما آية الله جوادي آملي فلم يطعم حتى البيض المسلوق.     

النص الفارسي



 
عدد الزوار: 628



http://oral-history.ir/?page=post&id=11620