سجناء الكومله

إلهام صالح
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2015-11-25


وقفا بجانب بعضهما. كأن المرأة جلست على الكرسي و وقف الرجل بجانبها. إمرأة و رجل، يشبهان لوحة غوبلن، مع جذور من أعمال سوزان عليها. يظهران سعيدين. المرأة سعدا و الرجل أمير سعيد زاده ( سعيد دشتي) كانا من المقرر أن يرويا ذكرياتهما.

كتاب ( عُصُر كريسكان) من الكتب التي صدرت في حقل الذكريات، كتاب ينتمي الى التاريخ الشفوي للثورة الإسلامية، و لكن القارئ لا يشعر أنه أمام موضوع يختص بالتاريخ الشفوي. ترافق القارئ المساحة السردية و الاحداث التي تدور مع الشخصيات. هو أقرب الى أجواء القصة أكثر من ارتباطه بمفاهيم مثل التاريخ الشفوي.

هذه الميزة تلمس إيجابيتها. يعمل كتاب " عصور كريسكان" مثل ذهنية لا شعورية، ليس هناك وقع لمفهوم التاريخ الشفوي، و قد يكون هذا هو الوعي. يدخل اللاوعي فضاء الكتاب، و لكن ما يحصل في النهاية هو تعرف القارئ على قسم من التاريخ الشفوي للثورة الإسلامية، دون الشعور بدخول إجباري.

" عصور كريسكان"  هو كتاب ذكريات " أمير سعيد زادة" عن فترة الثورة الإسلامية و مواجهة الكومله. يحتوي الكتاب على 28 قسما فهرست: المقدمة، أولا: سعيد، ثانيا: سعدا، رابعا: ظل غمبار، خامسا: مير آباد، سادسا: االطريق المفقود، سابعا: برده سور، ثامنا: قمر الرحمن، تاسعا: التطهير، عاشرا: العائلة، حادي عشر: الآن، الثاني عشر: الزميل النائم، الثالث عشر: بوره، كرة الفرن، الرابع عشر: زيارة التفتح، الخامس عشر: الكيمائي، السادس عشر: طيران علي، السابع عشر: كريسكان، الثامن عشر: اللقاء الأول، التاسع عشر: القبر الموقت، عشرين: قصي عليّ يا أمي، الحادي و العشرين: شاي العصر، الثاني و العشرين: حرقة البرد، الثالث و العشرين: حفظك الله سعداـ الرابع و العشرين: عصى الله، الخامس و العشرين: منطقة سنجاق، السادس و العشرين: لون الوجه، السابع و العشرين: المعلم، الثامن و العشرين: الرسائل و الصور و الوثائق,.

يأتي القسم الثالث تحت عنون " مصطفى" و لكنه سقط من الفهرس. و كل قارئ يتوقع مواجهة فهرس كامل دون نقص. و رغم العناوين البسيطة في الفهرس، و رغم أنها لا تساهم في معرفة القارئ لموضوعات الكتاب، قد تكون هناك إمكانية حذف العناوين. و ذلك خلافا لعناوين الفصول. و يأتي عنوان الكتاب منسابا و جماليا و يرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع الكتاب. كريسكان هي منطقة في " دوله بدران" تقع بين منحدر جبلي يصعب عبوره في سفح جبل قنديل حيث كان مقر كومله و كان أمير سعيد زاده سجينا فيها. " عُصُر كريسكان" هي فترة العصر في منطقة كريسكان حيث وقت الإعدام. هذا العنوان لديه الكثير ليقوله.

يبدأ " عصر كريسكان" بفصل " سعيد"، نقف في هذا الفصل على قصة القبض عليه من قبل الساواك و اطلاق سراحه. يهرب من سردشت و يبقى في بانة. نفس المدينة التي يتزوج بها سعيد. الفصل التالي، " سعدا" هو فصل تعرف سعيد على سعدا. في الفصول التالية يتزوجان و يواجه سعيد الكومله. المواجهة الأولى مع الكومله كانت في " ربط" حين كان يصور مقراتهم و يقبض عليه. يصور الكتاب احداثا عما قبل انتصار الثورة في حياته و فترة أسره و اطلاق سراحه في 23 يونيو 1993 و ما تحملته عائلته من صعوبات.

لا يتحدد " عصر كريسكان" بذكريات أمير سعيد زاده فقط، بل يروي فترة من تاريخ إيران حيث ينقسم المجتمع في كردستان الى ثلاث أقسام: " الناس هناك ثلاث أقسام، قسم مع الكومله و قسم مع الديمقراطيين. القسم الثالث محايدون و دون ملجئ و وقع حمل معارضة الثورة على عاتقهم و عليهم تقديم الاتاوة الى كل المجموعات. كل مجموعة تحاول رمي تكلفتها على الآخر المنافس لتضعيفه، و لكن و لأن المجموعة الثانية يدعم لا طريق إلا أخذ ما للشعب و لا يمكن لأحد الاعتراض أو رفع صوته."

" عصر كريسكان" ليس كتابا قصصيا، و لكنه جاء في أسلوب سردي، و على ذلك لو دقق في النص أكثر لأخذ مكانا أقوى في قلب القارئ. و هنا يأتي ضرورة دور المدقق اللغوي و المراجع.

للكتاب مقدمة، و لكنها لا تكشف عن طريقة خلق الكتاب و ذكرياته. العمل في مجال الذكريات الشفوية يرافقه صعوبات جمة، منها قلة الوثائق و المصادر الى جانب شخصيات لا تسرد الذكريات بصورة صحيحة. ذكرها في المقدمة ستسهم في تقريب الصورة للمتلقي.

فصول الكتاب عبارة عن رواية أحداث بالتناوب بين سيعد و سعدا. رواية ذكورية الى جانب رواية نسوية. تتحدث المرأة عن صعوبات الحياة دون زوجها، عن الأيام التي تذهب الى زيارته، عن أيام الوحدة، و يروي الرجل أحداث سجن الكومله، عن التعذيب و التحقير و الإهانة.

تقع قمة صراع هذه الرواية الموازية في الفصلين السادس و العشرين و السابع و العشرين حيث يلتقي الإثنان بعد فترة. تقول سعدا في فصل " لون رخسار" عن اللقاء:

" إمتلأت الشوارع و الأزقة. خرج الآلاف لاستقبال سعيد. لم تكن هناك فرصة لأراه عن قرب. تشجعت و دخلت الحشد الى أن بتُّ بجانبه."

و يقول سعيد في فصل " المعلم":

" زينوا كل الشوراع و الأزقة و كانت حشود غفيرة. و لكن عيني تبحثان عن سعدا. أريد أن أراها بسرعة. ما أن تصل و يخفق قلبي لا أعرف كيف ألتقيها وسط هذا الحشد. و لكن سعدا تشق طريقها وسط الحشد لتصل الى جانبي باكية."

هناك عدة رسائل متبادلة بين أمير سعيد زاده جاءت في الكتاب. كتب أمير سعيد زاده في العام 1992 من سجنه في سجن الحزب الديمقراطي لزوجته: " إعتني بالأطفال أكثر و هو أمر لا يحتاج الى توصية و أنا أعرفك جيدا. و لكن رغم ذلك اهتمي بأختي خاصة زيبا و يادكار و لا تدعيهما يدخلان في طريق منحرف و هذه وظيفة انسانية و إسلامية تقع على عاتقك، لا تدعي كلمة سيئة تتسرب الى عائلتنا."

في نهاية الكتاب صور من عائلة و رفاق سعيد زاده. و هناك رسوم منها لوحة من رسوم سعيد ( أمير سعيد زاده) الى جانب زوجته. رجل و امرأة الى جانب بعض، كأنهما في داخل لوحة غوبلن. كلاهما يظهر سعيدا. هما قسم من غلاف كتاب " عصر كريسكان".

عُصُر كريسكان/ ذكريات أمير سعيد زاده/ المؤلف: كيانوش كلزار راغب/ شركة سورة للنشر و التوزيع/ 280 صفحة.

 

المصدر الفارسي

 



 
عدد الزوار: 4122



http://oral-history.ir/?page=post&id=5962