الزقاق السادس و الخمسون

قصة شخص من أصول إيرنية يُطرد من العراق

إلهام صالح
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2016-05-17


سمعنا من أحداث الحرب المفروضة على إيران و قرأنا، عن الجروح و ذوي الاحتياجات الخاصة و الأسرى، و لكن من بين هذه كلها، هناك احداث لم تقل بعد، حدث قد لا يكون مرتبط بصورة مباشرة مع الحرب، و لكن له ارتباط في نفس الوقت. السجن و التعذيب و طرد الإيرانيين القاطنين في المدن العراقية من قبل حكومة صدام ، أحد هذه الاحداث التي تناولها كتاب " الزقاق السادس و الخمسون"* . و أفضل جمل عن الكتاب هي، ما كتب في المقدمة:

" طرد ذوي الأصول الإيرانية في العام 1980 أولا عن طريق فخ كبير، تحت عنوان منح الجنسية أو البطاقة الوطنية، على يد الحكومة الصاعدة لصدام حسين، و بعد فترة و بصورة ظالمة، تحت التعذيب و الايذاء، أخرجوا من منازلهم. الكثير منهم، و بعد تحمل للتعذيب و السجن لفترة طويلة، تركوا في المناطق الحدودية الإيرانية و استولت الحكومة على أملاكهم و عرضت في المزادات."

كتاب " الزقاق السادس و الخمسون" يأتي في 19 فصلا حاملا عناوين مثل " الرسالة" و الزقاق 56" و التسفير" و " سجن أبي" و "الطائرة الورقية" و " يجب الرحيل" و " الخلاص" و "ولادة أخرى".

 

أزقة الحياة

الموضوعات التي تمّ الحديث عنها أقل، أو كتب عنها أقل، من أجل الغربة و الإبهام الذي حُمل، يوجد في المتلقي الاحساس بالفضول. هذا الفضول، قد يكون أهم عامل لدفع القارئ الى قراءة الكتاب.

" الزقاق السادس و الخمسون" في الواقع هو اسم شارع كان في طفولة راوي الكتاب، شارع ملئ ذاكرة الرواي بأحداث حلوة و مرة و ألعاب و يضعها كلها أمام القارئ الى جانب وصف الخروج مجبرين .

سعى المؤلف أن يروي الاحداث عن طريق عدة روات، منها قصة ولادة المؤلف التي يرويها أبوه و أخته و أخوه: " الأب يعشق الابن. قصّ عليّ حين عرف أن الحمل ذكر، قفز و قرأ الشعر المعروف " هذا ابن ابيه، هذا كبد أبيه، هذا الولد لي" قرأه عدة مرات. تقول هناء: " حين عرفت أنه ذكر، غضبت و رجحت نوم بقية الليل. و لكن مصطفى بقي بجانبي الى الصباح يعلب معي."

جاء كتاب " الزقاق السادس و الخمسون" بطابع سردي. رابطا الأحداث ببعضها. و نجد نموذجا منها في الفصل الثامن عشر و التاسع عشر. في الفصل الثامن عشر يتحدث الراوي عن أفراد يدخلون البيت  بعد القبض عليه ثلاث أيام، و يقسمون ما بقي في المنزل بينهم. في الفصل التاسع عشر يأخذ النص طابعا قصصيا ويشرح على لسان متنبئ: " أرى شخصين أحدهما طويل القامة، و الثاني أقصر ببشرة أفتح. أنت يخرجوك."

نموذج ثاني نراه حول الأزقة التي تعبر منها العائلة: " عبرنا من شارع اسمه فرنسا. إسمه يثير تعجب أمي. عبرنا من زقاقين. توقفت سيارة الأجرة في زقاق فرعي. نظرنا بعيون متعجبة الى اللافت المستطيلة الزقاء. اسم الزقاق باريس."

و هذا الأمر نجده عند المتنبئ: " يسأل: " أين نذهب؟ أي دولة؟ أين سنبقى؟"... يرجوه. يرد عليه الجنية: " قلت ذلك في أسرع وقت سترحلون من هنا." ثم يشير عليه أن يقترب منه على السرير. يقترب منه، تتسارع دقات قلبه. يهمس عليه الجنية في أذنه: " ستذهب الى فرنسا و تسكن في باريس."

التصميم و الصور

جاء الغلاف عبارة عن رسم بالفحم لعجلة دراجة و مقودها. و هي الدراجة التي أجبر الراوي على تركها لدخول السجن. و مؤخرة الغلاف تكملة الدراجة. رغم هذا الصور التي تحمل الذكريات كانت قليلة الدقة و غير واضحة.

الطالع

أحد أجمل فصول الكتاب هو ما يتعلق بالطالع، كأنه يصور الحقيقة. الرواي الثالث يسرد هذه التفاصيل:

" يهتز جسد عليه الجنية بشدة. يعلو و يضغط. يقول كلمات غير مفهومة. يلملم نفسه و يقول: " بيتك يحترق. إحرص عليه. أرى شخصين أحدهما طويل القامة، و الثاني أقصر ببشرة أفتح. أنت يخرجوك. أي حظ عاثر هذا! يحترق كل ما تملك. لقد احترقت أحضر لي ماء، ماء. لأتوضأ."

تحضر الفتاة إبريقا و طشتا.يتوضأ عليه الجنية، يصلي. بعد فترة، يعود الى حالته الطبيعية و يقول: " مازلت تجلس هنا؟ فقدت كل ما تملك. أرى قيدا حديديا يطوقك، ستأسر، ستمرض، لديك مسافر، سيبتعد عنك. دعه يرحل، عليه الرحيل بسرعة. ستسافر بعيدا. كثيرا. ستصل الى بلاد أخرى. ستبقى عشرين عاما، ثلاثين عاما. ستفقد عزيزا. ستعود مرة أخرى. منزلك مدمر، سيجف و لكنه سيخضر مرة أخرى. أرى شجرة كبيرة."

السجن العائلي

 

وقع قاطنو العراق من أصول إيرانية أثناء الحرب المفروضة في مشاكل عديدة. الكثير منهم سجن الى جانب أفراد عائلته. حدث ذلك لرواي الكتاب. كان في تلك الفترة طفلا، في يوم و في فاصلة بين الغداء و العشاء بقي في صالة الرجال ثم نقل الى صالة النساء حيث أمه. يشرح السجن:

" حين العشاء فتح باب الصالة. ودعت أبي و من حوله. و شكرني أبو وسام. خرجت و ذهبت الى أمي و الحاجة بي بي. الحاجة بي بي مريضة. كانت تأنّ و تثرثر: " عليّ السير مسافة طويلة حتى المرافق. عليّ الوضوء بماء بارد. أنام على أرضية باردة. عضامي ترتعش.طعام الظهيرة بائس، لا لحم فيه و لا طعم. و لا يعطونا فاكهة. لم اعد اتحمل. لم يبقَ من دوائي غير عشر حبات و ..." و حين تهزّ رأسها للرواي تأنّ و تقول: في النهاية سأموت في هذا السجن..."

 

*الزقاق السادس و الخمسون، الكاتب: هاني خرمشاهي، 332 صفحة، الطبعة الأولى: 1394، الناشر: مكتب الدراسات و الثقافة المقاومة المركز الثقافي بالتعاون مع سورة مهر للنشر.

النص الفارسي



 
عدد الزوار: 3971



http://oral-history.ir/?page=post&id=6353