ليالي الذكريات في نسختها الرابعة بعد الثلاثمئة ـ 3

العمليات التي لم تكن كباقي العمليات الأخري

مريم رجبي
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2019-08-22


خاص موقع تاريخ إيران الشفوي، أقيم برنامج ليالي ذكريات الدفاع المقدس في نسختها الرابعة بعد الثلاثمئة، في مساء يوم الخميس الموافق 25 من يوليو عام 2019م في صالة سورة للفنون وقام كل من بخش علي علي زاده وإبراهيم خدابنده ومحمد هاشم مصاحب بالحديث عن ذكرياتهم حول مجاهدي خلق (المنافقين) وعمليات مرصاد. كما قرأتم في الجزء والثاني من هذا التقرير ذكريات بخشعلي عليزاده وإبراهيم خدابنده.

كان محمد هاشم مصاحب، الراوي الثالث لبرنامج ليالي الذكريات في نسختها الرابعة بعد الثلاثمئة. حيث كان حينها شابا في 18 عشرة وتعبويا وشارك في الدفاع المقدس. كما ساهم في عمليتي كربلاء 5 ومرصاد أيضاً. قال السيد مصاحب: "أعود لعدة أسابيع قبل عمليات مرصاد، عندما كنا في معسكر (دوكوهه). في الصباح الباكر أعلنوا بأنّ عليكم إستلام معداتكم اللازمة. تسلم المقاتلون أسلحتهم من الجهات المعنية. عادة ومن أجل العمليات، يأتون بالحافلات ويقومون بطلائها بالطين لعملية الإستتار. على سبيل المثال، كانت الحافلات تسير نحو مدينة خرمشهر، ونحن سنركب الشاحنة ونتجه غرباً. إعتقد العراقيون أنه عملية ستجرى في الجنوب، لكننا كنا نعمل علي شن عملية في الغرب. أي أنهم كانوا يحاولون خداع العراقيين. جاؤوا وفقا لإجراءات معينة وركبنا في الشاحنات مثل أكياس الرمل. جميع الشاحنات كانت في معسكر (دوكوهه). بينما انتظرنا، رأينا أنّ السيارات لم تتحرك بعد. كانت درجة حرارة الهواء حوالي 49 درجة سانتيغراد. كنا نتعرق في تلك الشاحنات ذات الهيكل المعدني. كانت الساعة حوالي 11. سألنا: لماذا لم تذهب؟ قالوا: إخوتنا الكرام عليكم أن تنزلوا من الشاحنة، سلّموا الأسلحة في الوقت الراهن وخذوا قسطاً من الراحة.سنذهب عصرا. سألنا: هل تم إلغاء العملية؟ قالوا: سنعلن فيما بعد. سلمنا الأسلحة وانتظرنا لنرى ما سيجري.

لقد كنت في لجان الثورة الإسلامية منذ فترة عرفت نفسي ودخلت الحرب وكنت شقياً جداً. تقول لي والدتي: لقد كنت نشطاً للغاية. كان من الصعب جدا السيطرة عليك. لم أستطع الاسترخاء والجلوس في مكان واحد على الإطلاق. كان من الصعب جدا الاستقرار في مكان. ذهبت إلى الحاج حسن محقق، قائد كتيبة حبيب إبن مظاهر. وكان الحاج علي صادقي، قائد كتيبة أبوذر، جالس هناك أيضاً. قلت للحاج علي: هل هناك خبر جديد؟ قال: لقد جئت أنت مرة أخري؟ سألته: إذاً ماذا أفعل؟ شعرنا بالملل. قال: "ألا يمكنك الجلوس هادئاً لمدة دقيقتين فقط؟" قلت: ماذا يجب أن نفعل الآن؟ قال، سنخبركم. سألته: هل تم إلغاء العملية؟ قال: يا سيدي، اذهب! سوف نخبرك. عدت وسألني المقاتلون: ماذا حدث؟ قلت، لا أعرف. في فترة ما بعد الظهر، تم تشغيل مكبرات الصوت وقرأ مقدّم الأخبار بيانية من الإمام الخميني الراحل (رحمه الله). لم تكن نهاية الحرب مريحة لنا. ربما نكون سعداء بنهاية الحرب، لكن تصريح الإمام كان ثقيلاً علينا. كان الإمام يحاول أن يريح بالنا. كانت جدران معسكر (دوكوهه) تبكي أيضاً في تلك اللحظة. حيث من الصعب للغاية بالنسبة لنا في تلك اللحظة عندما كان الإمام يحاول تحمّل جميع المسؤوليات. سألنا: ماذا حدث قالوا: لا شيء! انتهت الحرب. قلنا، ماذا يجب أن نفعل الآن؟ قالوا: ابقةا هنا لنبلغكم بما سيجري لاحقاً. بقينا لمدة يومين وأخبروا المقاتلين أن يحضروا ويحصلوا على أوراق التخليص. كان هناك العديد من الأسئلة  العالقة في أذهاننا. عدنا إلى طهران لمعرفة المهمة.

قدمت هذه المقدمة لأعرف أنه لم يمض وقت طويل. بعد بضعة أيام، رحم الله الشهيد علي رضا توكلي، الذي كان مقاتلاً في فيلق مشاة البحرية، جاء مسرعاً وقال: "سأذهب من هنا. سألناه: إلى أين أنت ذاهب؟ قال: المنافقون قد اصطفوا في خطوطهم. سألنا: ألم تنته الحرب بعد؟ قال لا! قيل للمقاتلين أن يستعدوا ويأتوا معي. كنت في مقر التعليم والتدريب في الحرب آنذاك، ذهبت على الفور إلى المكتب العام وقلت سنذهب حالاً. ما زال كثيرون لا يعرفون ما حدث. وكان حينها رئيس أركان الحرب السيد غلام علي أصغريان. قال: خذ ورقة لي  وللسيد حسين مظفر، سنأتي معكم أيضاً. شغل السيد مظفر منصب مدير التربية والتعليم في طهران وأصبح فيما بعد وزيراً للتعليم. سألت: هل ستأتي معنا الآن؟ قال: لا، سوف نأتي بعدكم. أخذنا الأوراق والتقينا بالسيد عزت الله عباسي، رئيس دائرة التربية والتعليم لمنطقة 15، والسيد محمد توتنشيان، المدير العام لإمتحانات دائرة التربية والتعليم، والسيد محمد جواد صديقيان، المسؤول عن مقر الحرب، وكنا حوالي خمسة أو ستة أشخاص أخذنا سيارة لاند كروزر وذهبنا إلى منطقة الحرب لتقديم المساعدات اللوجستية اللازمة.

عندما وصلنا إلى معسكر (دوكوهه)، شاهدنا الكثير من المقاتلين يأتون ويحصلون على المعدات. سألنا: ماذا نفعل؟ قالوا :احصلوا على المعدات الخاصة بكم، ربما سننتقل بعد ظهر هذا اليوم. المنافقون بالقرب من معسكر الله أكبر ويتجهون نحو إيلام. ولعل أول جيش يدخل في القتال ضد المنافقين هو فيلق محمد رسول الله (ص). حصلنا على المعدات. أخبرونا أنّ بعض الحافلات والشاحنات قد وصلت. بمجرد انتهاء الحرب، لم تكن عملية الإستتار والتمويه كما كانت من قبل. لقد ركبت برفقة عدد من الأصدقاء علي متن حافلة. قالوا لنا إنّ مقاتلي كتيبة وهب سيصعدون إلى الحافلة. بعد ثلاث إلى أربع ساعات من وصولنا، أتى السيد مظفر إلى كتيبة وهب وانضم إلينا. سأل الحاج مظفر: ما هي المعدات التي حصلتم عليها؟ قلت، كالعادة آر بي جي. قال: "حسنًا، سوف أساعدكم" . قلت لا! لايمكن ذلك. قال لا! دعنا نذهب معاً. جلس الحاج مظفر إلي جانبنا. كانت الحافلة تقف من الساعة 4 إلى 8 مساءً ولم تكن هناك أي حركة تُذكر. باختصار، خرجنا إلى وسط الصحراء. لم نكن نعرف أين نحن. أحضروا لنا الطعام. كانت الوجبة الأولى والأخيرة التي تناولنا فيها طعاماً ساخناً طيلة تلك ال 15 يوماً. خلال تلك الأيام تلقينا إما بسكويت أو تونا معلبة أو فاصوليا معلبة. لم يكن هناك خبز. قالوا: إنهم يريدون توزيع العشاء علي المقاتلين. سألنا: ما هي نوعية الطعام؟ قالوا: عشاء ساخن. التفتت إلى الحاج وقلت له: انتهى الأمر! سأل: ماذا تقول؟ قلت: اليوم أو غداً سنصبح جميعاً شهداء. عادة ما تكون في الليلة التي يجلبون فيها الطعام الساخن والطعام الجيد بعض الشيء، في اليوم التالي يستشهد فيه بعض المقاتلين. في حاويات بلاستيكية صغيرة، كان الأرز ساخن إلي حدّ ما. قلت للحاج: لا أستطيع أكل هذا الطعام. كانت حقيبة آر بي جي على ظهري وحول خصري عدد من القنابل اليدوية أيضاً. وكان سلاح آر بي جي أيضا في يدي. كانت مسافة مقاعد الحافلات ضيقة أيضاً. كنت ذاهبا إلى خارج الحافلة لتناول الطعام حيث قال مسؤول الحافلة: لا يمكن لأحد النزول. كلوا هنا. نحن نريد النزول إلي خارج الحافلة. قال أحد الأفراد: النافذة الأخيرة من الحافلة مفتوحة، لذلك دعونا نخرج من هناك. خرجنا من النافذة الأخيرة للحافلة. كان الظلام يخيم على المكان. جلسنا خارج السيارة وأكلنا الطعام. فجأة رأيت السيارة تنطلق. صرخنا ونزل قائد السيارة. أين كنتم؟ قلنا: أننا خرجنا لتناول الطعام خارج السيارة. سئلنا: هل أنتم من المنافقين؟! قلنا: قسماً بأبي الفضل العباس، نحن لسنا منهم. كنا بين افراد الكتيبة وخرجنا لتناول الطعام. استغرق الأمر حوالي نصف ساعة للعثور على شخص لإثبات أننا لسنا منافقين. ثم قالوا : أنزلوا  إلى خارج السيارة. أمرونا بالجلوس والنهوض. كنا نظن أنهم يعاقبون الجميع بسببنا. يعرف الجميع أنه في الليل عند أعطاء أوامر الجلوس والنهوض، لا أحد لديه الحف في الكلام. قال السيد توتونشيان، الذي كان جالساً ورائي، بصوت عال: "الله أكبر!" هز القائد رأسه فجأة وقال: "اجلس يا سيدي! الهدوء الهدوء! لديك مسافة 500 إلى 600 متر تفصلك عن العدو! لو صرخت، سيفهمون جيداً مكان وجودكم وسيأتون للقضاء عليكم. أعطوا الجميع قطعة قماش بيضاء وقالوا: لفوا هذا القماش حول معصمكم الأيسر. سألنا لماذا؟ قالوا إنّ المنافقين كانوا يرتدون نفس ملابسكم بالضبط. بنفس الهيئة، مع نفس المجموعة وبنفس الكوفيات التي ترتدونها، حتى أنّ بعضهم يكتب خلف ملابسه كما هو مكتوب علي ملابسكم. لتحديد من هو منافق ومن هو غير منافق، نكتشف من خلال القماش الأبيض الذي يلتف حول معصمكم الأيسر. قالوا إنّ هذا القماش أعطي لجميع الكتائب.

كان بالقرب من الخط نسمع فيه صوت رصاص البندقية. الخط ليس مثل الخطوط العادية، كنا على الطريق الرئيسي وبالقرب من مضيق مرصاد و(چهار زبر). ذهبنا أبعد من ذلك. جاء الصوت من بعيد. وصلنا بالقرب من إيلام. السيارات أصبحت فارغة. قالوا يجب أن تتموضعوا في الخنادق. كنا في الليل ولم يكن لدينا أية فكرة عن مكان وجود الخندق. عندما كان الطقس صافياً قليلا، رأينا أننا كنا في الجزء الخلفي من الطريق.استقرينا هناك ورأينا صوت الرصاص يتزايد مع كل لحظة. كما نسمع صوت الهاون في الأمام. لقد هاجمتهم كتيبة مسلم بن عقيل. قالوا لنا أنّ كتيبة حبيب بن مظاهر ستباغتهم بهجمة بعد كتيبة مسلم. كما ذهب كل من كتيبتي مقداد ومسلم إلي الخطوط الأمامية. ابقوا هنا لنبلغكم بما يحدث. كنا وراء السواتر الترابية وبشكل مستمر نتعرض لصوت الرصاص وشظايا القاذفات. قلنا لأنفسنا إذا كان المنافقون في الخلف وكتيبة مسلم متقدمة في الأمام، فلماذا يأتي الرصاص نحونا؟هل يمكن أنهم قضوا علي كتيبة مسلم وتقدموا للأمام؟

كانت حوالي الساعة 8 أو 9 في الصباح. لقد أدرك أفراد الكتيبة أنّ الحاج  مظفر الذي جاء معنا كان مديراً عاماً للتربية والتعليم، وأنّ أولئك الذين كانوا معنا كان معظمهم رؤساء في التربية والتعليم. كان الشباب الذين بجواري لا تتجاوز أعمارهم 15 أو 16 أو 17 عاماً. ظلوا يسألونني: هل الشخص الذي جاء معك، هو مدير التربية  والتعليم؟ هل يمكن أن تخبره أن يعطيني درجة جيدة؟ كنت أقول: هنا،  خلف الساتر الترابي، تحت رحمة الرصاص والشظايا، أخبرني ما الدرجة التي سيمنحها لكم؟ كان لدينا مجمع تدريبي في  مناطق مختلفة مثل (دو كوهه) أروند ووسط الهور كمخيمات للتدريب. في مجمع الهور، كان لدينا عدد قليل من الجسور المعلقة فوقنا وكان لدينا خيام عليها. عندما لا تكون هناك عملية عسكرية، يأتي الأفراد إلى ويدرسون قليلاً. عرف بعض الأطفال أنني مدرس مادة التاريخ. قيل لي: هل يمكننا قراءة بعض مواد التاريخ معك الآن؟ اعتدت أن أقول: يا أبنائي، تحت رحمة الرصاص وشظايا الهاون، كيف يمكننا أن نقرأ التاريخ؟ ناداني الحاج علي صادقي وقال لي: أخبر السيد مظفر بالعودة والرجوع إلي الخلف سألت: لماذا؟ قال: إنه المدير العام للتربية والتعليم وليس من الصواب أن يذهب إلي الخطوط الأمامية. قلت: إنه معوّق في فتح خرمشهر. قبل وصولنا إلى الجبهة، كان هنا وقد أصيب بجروح وأصبح معوق حرب أيضاً، أليس كذلك؟ قال: هذه ليست القصة على الإطلاق. استشهد اخوته. سألت: إخوته؟ أي واحد؟ قال: أعتقد أنّ ثلاثة أو أربعة من إخوته استشهدوا في الحرب. تساءلت: من قال هذا؟ قال: أخبرني المعسكر بذلك و إنه يجب ألا يتقدم هذا الشخص إلي الأمام، لأنه إذا أصبح شهيداً، فسيصعب الأمر جداً على عائلته. اذهب وأخبره بالعودة. ذهبت إلى السيد أصغريان، الذي كان مسؤولاً عن موظفي دعم الحرب، وقلت: علينا أن نقنعه بالعودة، يبدو أنّ إخوته استشهدوا في الحرب قبل ذلك . كان من المقرر أن يأتوا كل من الحاج قاسم كاركر والحاج قاسم سليماني  ليقنعوا الحاج مظفر بالعودة. لم يتوفر طعامنا وهذا الموقف أزعج الجميع. قال السيد مظفر: "لم أعد أستطيع تناول الكعكات".  أنا حقا سئمت من تناول البسكويت. ذهبت إلى تلك القرية ورأيت مزرعة، ولكن ليس هناك حيوان. ذهبت ورأيت بعض الطعام وضع للحيوانات. اقتربت منها ووجدت قطعة صغيرة من الخبز. شممتها ورأيت أنه لا توجد أي رائحة كريهة فيها. رفعتها ومسحتها ببنطالي وأخذتها معي. بمجرد وصولي، سألني السيد مظفر بدهشة: من أين حصلت علي هذا؟ قال أحد الأفراد: قل من أين أتيت بها! قلت لهم: لاشيء يذكر سماحة الحاج. قال: ذهب وسرقها من أمام الأبقار! قال الحاج مظفر: لاشلت يداك، تعطينا من طعام الأبقار؟ قلت: قلبتها ووجدتها غير متعفنة ويمكن تناولها. بدلا من هذه البسكويت يمكن أن تؤكل. علي أيّ حال كان لدينا بعض القصص القصيرة مثل هذا.

أخذنا حاجي إلى نفس القرية. منع السيد كاركر والسيد سليماني ذهابك إلي الخطوط الأمامية. أمرنا المقر إن يعود السيد مظفر ولا يستطيع أن يشارك في العملية قال الحاج: ماذا يعني هذا؟ لقد أخبرت الوزير وأنه ليس لديه مشكلة في ذلك. كنا جميعاً نبكي. التفت الحاج ونظر إلينا وسألني: هل حدث شيء؟ قال الحاج قاسم السليماني: "علينا إعطاء بعض التفسيرات. قال الحاج: لدي الإستعداد لسماع ما يحدث لأبي ولأخواني وأي شخص آخر. نادت أمي أبي وأربعة من أخواني وقالت: لقد بدأت العمليات، والمنافقون دخلوا حدود البلاد، لن أرضَ عليكم أن تذهبوا وتعودوا سالمين. اذهبوا ولا ترجعوا حتي تحرير الحدود من المنافقين. قال أيضاً: سماحة الحاج! لقد استشهد كل من رضى وحسن وعلي. سئلته: وماذا عن أبي؟ أجاب قائلاً: والدكم في مخفر زيد ولم يأت بعد. كان لدينا قماش قسمناها إلي قسمين. كان الحاج يحرّك الهواء من خلالها، ونحن نبكي والحاج ينظر إلينا. قال الحاج: قلت للأصدقاء أنني معكم حتي النهاية. قال قاسم سليماني: لا يجوز ولا يسمح لنا أن ندعك تذهب إلي الأمام. يجب أن نعيدك. في النهاية قال الحاج قاسم سليماني: نحن أعدنا الجثامين إلي الخلف، أقلها إذهب وحدد هويتها. قال الحاج مظفر: قالت أمي إذا لم تنته العمليات، لا أريد حتى رؤية جنائزكم. أعيدوا الجنائز. كنا نصر والحاج يرفض إصرارنا. أخيرا وبالقوة أعدناه إلي جنب الحاج أصغريان. وصلوا ورأوا أنه تم إحضار جثة رضا فقط و بقيت جثامين حسن وعلي. كان حسن وعلي عالقين في التراجع للخطوط الخلفية. استغرق الأمر منهم وقتاً حتى اليوم التالي للحصول على الجثث. عاد الحاج مظفر إلى الوراء، وذهبنا نحن إلى الأمام.

استقرينا في الساتر. وقال الحاج علي صادقي إنّ  أصحاب الآ ر بي جي عليهم أن ينهضوا بعد عشر دقائق. عندما تأتي السيارات المدرعة من الأمام، يجب استهدافها. أحضروا بعض السيارات البرازيلية. كان عمر أحد مقاتلينا حوالي 16 أو 17 عاماً. كان يسألني باستمرار وأقول له: عندما نعود، سنتحدث. عندما ذهب الحاج حسين مظفر، قالوا: إنه مساعد آر بي جي الخاص بك. نحن حاملو آر بي جي، وعادة ما كانت لدينا حقيبة خاصة بنا وكيس للمساعدة. بداية نستخدم جميع قذائف الآربي جي الخاص بنا. وكان بين من يطلقون الآربي عادة إذا أطلقت جميع ذخيرتك من رصاص الآربي جي ووقعت مسافة بينك وبين مساعدك، لا يمكنك حينها فعل أي شيء ولايمكنه أن يعطيك القذائف. لقد أرشدت هذا الشاب لكي لا يبتعد عني وأن يبقي بالقرب حتي أستفيد من ذخيرته حينما تنفد. لقد قام دون خشية من أي شيء وأصيب بطلقة في عينه. اتصلت بفرقة الإنقاذ وأخذوه. كنت حزيناً جداً. فقد كان صغيراً جداً. قالوا: لقد مرت الرصاصة من خلال رأسه. كان أخي أحد المنقذين. كانوا يقفون بجانب حافلة في  (چهار زبر). تم نقل المقاتلين الذين كانوا في حالة حرجة على متن حافلة، ووضعوهم على طائرات الهليكوبتر، وتمت إعادتهم للخلف. فيما بعد سمعت منه: كان أحد الأفراد مصاباً بعيار ناري في عينه - وبالتأكيد عرفت أنه الشاب الذي كان يرافقني - عندما أحضروه، لم يتكن الدماء تجري من خلف الضمادات. وقبل أن تصل المروحية، كان قد فارغ الحياة. كان علينا أن نحمله على متن الحافلة وأفراد آخرين في حالة سيئة على طائرة هليكوبتر.

في أعقاب العملية، وقبل أن نتقدم إلي الخطوط الأمامية وتبدأ كتيبة حبيب بن مظاهر العملية قالوا استلقوا علي الأرض، حيث ستحلق مجموعة من طائرات الهليكوبتر بقيادة العميد الشهيد صياد شيرازي. قام المنافقون بوضع قواتهم علي خط واحد. لقد أرادوا المجيء إلى طهران ! أتت جميع سياراتهم في منتصف الطريق. قصفتها الطائرات ولم تبقِ على واحدة. كان حجم الانفجارات كبيراً لدرجة أننا نمنا لبضع دقائق على الجسر حتى انتهاء الانفجارات. ثم قالوا عودوا بسرعة، لأنّ سيارات الوقود التي جلبوها قد تنفجر وتحرق المنطقة بأكملها. لقد ذهبنا إلى الخلف قليلاً. الساعة حوالي الواحدة والنصف. لقد إنتهي مفعول التفجيرات وقالوا: إنتهت العمليات. هرب المنافقون وذهبوا داخل إيلام، نذهب لتطهير المنطقة. لقد دخلنا إلي مدينة إيلام، كانت مكتظة بالجنائز. سئلنا أحد كبار السن: هل من قتل  من المنافقين أو المواطنين؟ قال: عندما جاء المنافقون، كل من لديه لحية يقولون إنه من حزب الله أو من قوات الحرس الثوري ويجب قطع رأسه أو قتله حالاً. ذهبنا إلى مستشفى إيلام ورأينا أنهم ارتكبوا جريمة بشعة. كان علينا تفريغ الأسرّة في المستشفي. كنا نترك وراءنا الذين أطلقوا النار عليهم وماتوا حتى نتمكن من إعادة بعض الجرحى. ثم قالوا: ليس لدينا مرافق لعلاج جميع المصابين، نخرج فقط المصابين التي كانت حالتهم حرجة جدا للانتقال إلى طهران. وقيل لي إنّ مريم رجوي قد هربت بطائرة هليكوبتر من الطرف الغربي لإسلام أباد، لكن علمت لاحقاً أنّ مسعود ومريم رجوي لم يأتيا وكانا يوجها قواتهما من بعيد. انتهت عملية تطهير إسلام آباد وقيل لنا: لأنّ مجموعة منهم يرتدون ملابس مقاتلينا، يجب عليكم البقاء هنا لمدة يومين إلى ثلاثة أيام لتطهير المنطقة بأكملها. لقد تركوا سياراتهم على تل يطل على مضيق مرصاد وعلى مقربة من المدينة. انفجرت بعض سياراتهم على الطريق. لم يكن لدينا أي علاقة بهذه الآلات وقلنا إننا ننظر إليها عندما نريد تطهيرها. لقد جاءوا الليلة الماضية. كان الأمر كما لو أنّ لهم بعض المستندات والمعلومات التي تركوها عند هروبهم، أو أرادوا استخدام هذه الآلات للهروب من المنطقة. لقد ركبوا علي متن سياراتهم. بمجرد تشغيل هذه السيارات، سرعان ما انتشرت أضواؤها وأدرك مقاتلونا أنّ بعض المنافقين جاءوا وذهبوا. بدأت الاشتباكات الليلية وتصدينا لهم في التلال لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات. لم نرهم علي الإطلاق، لكن كان هناك إطلاق نار على السيارات. عندما انتهى النزاع، تقدمنا ورأينا السيارات تستنزف، لكن لم ترد أي أخبارعن أفرادهم.

كان من المفترض أن نقضي ليلتنا في نفس المنطقة. الصيف في هذا الجزء من البلاد حار جداً وفيه العديد من البعوض. عندما أردنا النوم، هجم البعوض. لقد شاركوا صباحاً في العمليات وفي الليل تحملوا إيذاء البعوض. كان لدي معطف أحتفظ به في حقيبتي. ما توصلت إليه في تلك اللحظة، أن أستخدم المعطف في تلك الأجواء الحارة لأتجنب إيذاء البعوض. كما وضعت يديِ داخله. كما وضعت قبعتي الحربية داخل ذلك المعطف. ونمت للصباح. يعرف أصدقائي كشخص محبا للنوم. أنام بسهولة في أي موقف، عند إطلاق النار وقذائف الهاون، على الصخور وعلي الجبل، و ... كنت في تلك النومة العميق في تلك الليلة عندما ضربني أحد أصدقائي المقربين فجأة وقال: لقد دمرت أعصابنا! لايمكننا أن ننام مع هذا البعوض، كيف نمت أنت؟ قلت: أنتم لا يمكنكم النوم، لماذا لا أنام أنا؟ بعد بضع دقائق اتصل بي السيد عباسي وقال: "هل أنت نائم؟ إذا كان هذا هو الحال، فلن نسمح لك بالنوم، لأنّ كل فرد هنا يعاني من إيذاء البعوض ولايمكنه النوم والإسترخاء وأنت لا تنام بسهولة فحسب، بل تشخر أيضًا! كنت على صخرة . وكانت الحقيبة على ظهري وكنت نائماً! قيل لنا في الصباح أنه تم تطهير مجمع إسلام آباد الغربي، وسنبقي هنا لمدة يوم أو يومين، ثم نعود. بعد بضعة أيام عدنا إلى معسكر (دوكوهه) واسترخينا لعدة أيام. بعد بضعة أيام من الراحة شعرنا بالملل، قلت للقائد: دعنا نعقد مراسيم عزاء. كنا بالقرب من شهر محرم. قلت: ننسق للذهاب إلى دزفول وإحضار الأفراد إلي سبز قبا للمشاركة في مراسيم العزاء. وافق القائد علي مقترحي. كان جعفر محتشم قائد إمدادات الجيش. قلت له: هل يمكن أن نصنع بعض الطعام لأفراد كتيبة حبيب ومقداد وسلمان؟ نريد أن نؤسس هيئة في سبز قبا. سأل: من قال ذلك؟ قلت: لقد قمت بالتنسيق مع الحاج حسن محقق والحاج علي صادقي وكلهم علي دراية بذلك الأمر. قال: اذهب لتنسيقاتك اللازمة. ذهبنا بسرعة وقمنا بالتنسيق مع مسؤولي سبز قبا. لقد رحبوا بنا وقالوا أننا نقدم جميع التسهيلات، أنت فقط تعطينا المواد الخام. أحضرنا ما نحتاجه وأعددنا الطعام. باختصار، تم نقل جميع أبناء الكتائب الذين كانوا في معسكر (دو كوهه). لقد نزل الأفراد علي قارعة الطريق وأقاموا مراسيم العزاء وتناولوا العشاء أيضاً. في اليوم التالي تم توبيخنا أنا والحاج صادقي. قالوا لي: من سمح لك بإرسال عشرة الاف من القوات إلي ذلك المكان؟ إذا علمت قوات صدام وقاموا بمهاجمة وتفجير كل الطريق، هل تعلم ما هي المصيبة التي ستحل بنا؟ قاموا بتوبيخ الحاج صادقي من قبل. إذا قُصفت هذه القوات، فسيتمكن العدو من العملية مرة أخرى لأنه يعلم أنه قتل العديد من مقاتلي الباسيج.! "لقد أقيمت برنامج ليالي ذكريات الدفاع المقدس، بجهود مركز دراسات وبحوث ثقافة الأدب والإستدامة ومكتب الأدب وفن المقاومة، مساء يوم الخميس الموافق 25 من يونيو لعام 2019م في صالة سورة للفنون. وسيقام البرنامج الآتي في 29 من أغسطس المقبل.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2571



http://oral-history.ir/?page=post&id=8748