ليالي الذكريات الثلاثمائة والأربعة عشر- 2


إلناز درويشي
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2020-07-11


أقيمت الفعاليات في يوليو 2020، مع ثلاث من رفاق الشهيد مصطفى جمران. وقد حضر الجمهور في قاعة انديشة التابع للحوزة الفنية مع مراعاة التباعد الاجتماعي. وتحدث كلّ من السيد أبو الفضل كاظمي والحاج حسن شاه حسيني والسيد إسماعيل شاه حسيني عن ذكرياتهم في زمن الدفاع المقدس والحرب غير المنظمة للشهيد مصطفى جمران ودور الدّراجون.

وكان الراوي الثاني هو السردار حسن شاه حسيني، من رفاق وأصدقاء الدكتور جمران وبدأ حديثه قائلا:

نحن جيل منسي ولم يفونا حقنا، هناك الكثير من أمثال جليل نقاد. لست خطيبا ولكني أودّ نقل ما رأيته في الحرب، خاصة إلى الجيل الشاب,

كنا ثلاث إخوة، استشهد أحدهم على يد المنافقين العام 1978 والثاني في أحداث مهران، وأنا مع أخي إسماعيل معوقا حرب ولكننا غير مرتبطين لا بمؤسست المعقوين ولا بمؤسسة الشهيد. نصحتنا أمّنا حين تتعاملون مع الله لا تتعاملوا مع أية مؤسسة أخرى، ثواب أن تطلبوا من الله أكبر بكثير من طلب البقية؛ وإذا فعلتم ما يخالف ذلك فلن يحلّ عليكم حليبي. أقصد أنّ جيل الإمام كانت فيه مجموعة على هذا النمط.

والآن عمري أربع وسبعين سنة ولم أعد أتبع مصالحي بل أريد نقل حقائق لبعض من الجيل الجديد لينتبوا إلى بأيّ قيمة حفظنا إيران ولا يصدقوا كلّ ما يقال في الداخل والخارج. من أجل تراب الوطن، جاهد الكثير من أمثال السيد والدكتور جمران. والآن إذا كان هناك سؤال أنا مستعد لأجيبه عليه.

  • كنت أكثر الوقت بجانب الدكتور جمران. حدثنا عن يوم جميل قضيته معه.

أجمل يوم لي مع الدكتور، كان في اليوم الذي دفنته بيدي في جنة الزهراء، أنا من لقنه ناظرا إلى وجهه. كان يوما مباركا قرره الله لي، كان دوري لأقف بجانب جسده حتى أغسله وأدفنه وأبوح له بكل ما حملته في صدري. وثّق هذه اللحظة مصور من صحيفة كيان.

  • حديثنا عن الصور التي يعرضها زملائي الآن.

هنا بداية الكرخة العمياء ولكن بعد استشهاد أحدهم غيّروها إلى كرخة النور. لهذه الصورة قصة طويلة حتى يمكن صناعة فيلم عن طريقها. حين استلمنا سردشت، ذهبنا إلى طهران. وحين وصلنا إلى طهران وصل الخبر بهجوم العراق وعدت مع الدكتور جمران إلى الاهواز. وعليّ هنا التطرق لذكرى. كان لدينا خبر قبل أشهر بالهجمة العراقية؛ وطبق المهمة المعطاة لنا كنا على علم ب "خلق عرب" مع مجموعة متطوعة وبعض القادة ومجموعة عى معرفة بالمجولقات في شيراز ومنهم محمد تيغ تيز ودربونا. سلمونا مخفر حرمان وشلمجه الحدودية. أرسل العراق عتادا لأعداء الثورة في الداخل وفجّروا أنابيب النفط. بقينا هناك ما يقارب الشهرين وبعون الله ومغاوير البحرية ومحافظ خوزستان- كان حينها المحافظ القبطان مدني- قضينا على جيل أعداء الثورة. حين كنا هناك أخذني محمد تيغ تيز في ليلة عن طريق الشلمجه داخل العراق كيلومتر. على امتداد البصر وقفت الدبابات. ما يقارب عشرة ألوية اصطفت. قال تيغ تيز هذا الاصطفاف للهجوم عل خرمشهر والاهواز. بعد عودتنا إلى طهران نطرح الأمر مع الدكتور جمران. وأخبر بدوره السيد بازركان وأعضاء الحكومة ولكنهم لم يصدقوا؛ حتى جاء اليوم الذي هجم فيه العراق وقصدنا الاهواز بالعتاد الذي أحضرناه من كردستان. كنا ما يقارب ثمان وثلاثين شخصا. منذ تلك الليلة وضع الشهيد جمران خطة. كان العراقيون قد هجموا على الاهواز من ثلاث محاور ولاحتلال الاهواز قاموا بكل ما يستطيعون؛ لأنهم على علم إذا أخذوا الاهواز، يسهل السيطرة على خرمشهر وبستان وسوسنكرد. كتب الإمام في رسالة موجهة إلى الدكتور جمران: حافظ على الاهواز. فيما بعد عرفنا حجم المعرفة العسكرية عند الامام؛ الاهواز مفتاح دخول خوزستان.

هجم العراق من ثلاث محاور دشت عباس ودب حران والاهواز. وأرسل جيشا لخرمشهر قاصفا معسكر دج وتحرك إلى معسكر الحميدية. كان عددنا قليلا جدا ومكان اقامتنا جامعة جندي شابور. ننام على العشب وتقسمنا في فرق تضمّ أثني عشر فردا. وهكذا كنا نعمل يذهب فريق لتدمير دبابة بأي شكل ونعود. ويأتي دور الفريق الثاني على محور آخر. كنا في ضائقة من ناحية عددنا،  حتى جاءنا السيد الخامنئي. بعد شهر، جاء سيل من القوات من عدة مدن؛ حتى وصل بنا الأمر لتحديد معسكر تدريب لهم. وكان حينها السيد محمود خسروي وفا قائد حماية السيد، وصل الغروب، في الليلة المقررة لهجومنا على العراقيين. أصر السيد محمود ومن معه على مرافتنا وأخبرتهم بأننا سنذهب دون علم أحد وأنتم لا تعرفون المدينة. اسمحوا لنا أن نعرفكم على المدينة غدا. لأنه مهما حصل وانفصلتوا على المجموعة ستضيعون، ولكنهم رفضوا مقترحنا. وفي نفس اللحظة طلبني العقيد سليمي وقال يطلبك السيد. وحين ذهبت إلى السيد قال: "لماذا لا تأخذونهم معكم؟" وذكرت له الأسباب. قال: "كلامك صحيح؛ ولكنهم صعب المراس خذهم معكم". وقبّل رأسي. وبما أني أدخّن أوصاني بعدم التدخين وتحدث معي قليلا. في النهاية ركبنا مع هذه المجموعة سيارات الشفرليت التابعة لشركة النفط. كان السيد محمود حينها شابا طويلة القامة. طلبت منه عدم الاتكاء على السيارة، إذ لو حصل مكروه للسيارة فقد يصاب. قال لقد تلقينا تدريبا. بعد أن عبرنا دب حران، أصيبت السيارة بصاروخ ورُمينا كلنا وسط فوي آباد، ولكن حين انقلبت السيارة انحشرت رجل السيد محمود بالسيارة وانقطعت. أخذونا إلى مدرسة في الاهواز. صباحا حين استيقظتُ ظننت أنهم قطعوا رجلي، ولكني شعرت بها. صرخت إحدى الممرضات بأنّ لهذا الرجل ثلاث أرجل، كانوا قد أخطئوا بوضع رجل السيد محمود بين رجلي!  تقرر في الساعة الخامسة نقل السيد محمود إلى طهران، ولكن كانت ارادة الله.

في الفترة التي ذهب فيها الشهيد جمران لآخر مرة إلى سوسنكرد، كان معه أكبر جهرقاني واستشهد هناك؛ وأصيب الدكتور في ركبته. كان الرقيب عسكري سائق الدكتور ساعده حتى أنقذه. مرّ ما يقارب أربعون سنة ولا أحد يعرف هذا الشخص.

منذ العام 1978 حين انضممت للدكتور جمران وكانت نعمة بالنسبة لي أن أكون في خدمته بعد الإمام، وكل الحصية الأخلاقية أنا مديون بها إليه. ومن أجل 24 ساعة أخذتها إجازة لم يكتب لي النصيب، وإلا لكنت مكان رستمي، ولأمرني الدكتور بالمهمة. على أية حال بعد شهادة الدكتور عملت في الحرس الثوري وفي العام تقاعدت.

  • حدثنا قليلا عن الشهيد رستمي. يُقال بعد شهادته حزن الدكتور كثيرا وبعد فترة قليلة استشهد الدكتور جمران.

انتهى حصار باوه. أسس الدكتور هناك طابورا منظم عسكريا جيدا. كان يقول هذه الأطروحة، ذكرى لبنان. حين وصلنا إلى سردشت كان دور مجولقات شيراز لتساعدنا. كل ثلاث أشهر يأتي لواء لمساعدتنا. كان الضابط رستمي من اللواء المجولق شيراز. حين انتهت الأشهر الثلاث وتقررت عودتهم، أعلن الضابط رستمي لقائده أنه لن يعود وسيبقى ليحارب. واحتراما لرتبته العسكرية سلمها لقائد اللواء وبقي معنا. كان لفترة رئيس شرطة سردشت. وكان في فترة الحرب إلى جانب الدكتور حتى استشهد. اختلاف الدكتور مع بقية القادة العسكريين هوكان يرى الله دائما مراقبا. يجب تعلم الاخلاق من رسول الله إذ استطاع التغلب على الكفار باخلاقه الاسلامية. أتذكر فرقة اتصالات مستقرة في المالكية قرب سوسكنرد. كانوا من الشيوعيين والفدائيين. حين أخبرت الدكتور، قال طيب، أن نقبض عليهم أو نعدمهم لا فائدة منه. دعوا ثلاث من شبابنا حاملي الاخلاق الاسلامية معهم. طريقة عملهم سوف تصلح هذه المجموعة. كان جمران يصنع الانسان. نحن كنا أيضا في أدنى مستوى. الدكتور وحده حمل تعليما عالي؛ ولكن عبر أخلاقه جذبنا نحوه.

  • سردار! حدثنا عن جليل نقاد.

حين وصلت القوات  إلى المنطقة وبدأنا بالتقسيم، وزعناهم على الفرسية والعباسي وسيد جابر والدهلاوية. والآن نحن بحاجة لارسال رسائل إلى من المركز إلى المناطق. كانت رسائل سرية ومكتوبة. ولا يمكننا ارسالها عبر اللاسلكي. قرر الدكتور دخول الدراجون لايصال الرسائل. وتقلّ خسائرنا. كان أخي اسماعيل قبل الثورة دراجا محترفا. حتى أنّ شركة ياماها اليابانية طلبته ولكنه لم يذهب. طلبنا منه ارسالهم إلى المنطقة. وكان جليل نقاد من ضمن المجموعة. كان يتطوع دائما. جلسنا في يوم داخل خيمة وكان جليل مع الشباب، أحد المقاتلين وكان اسمه أحد يجمع الألغام وبعد كلّ عملية، يجمع لنا الألغام والرصاص. كان أول غنيمة عراقية. أخبرت الشباب يجب ألا يفطن العراقيون على حصولنا على شاحنة الإيفا وقال أحد لن يعرفوا. بعد عشر دقائق عاد وقال لقد حصل عليه العراقيون. قلت له إما أن نحصل عليه أو ندمره. من يحضر معي من الدراجون؟ وكان جليل الاول من بين الخمسة قد تطوع.  جلست خلف جليل حاملا الآر بي جي. كان الفصل خريفا والمكان رطب وزلق، وكانت القوات العراقية كبيرة. قال جليل سوف ألهي العراقيين  الدراجة وأنت اضرب الايفا. ذهب وفعل ما ينبغي فعله ولفت انظار العراقيين. وضربت مخزن شاحنة الايفا. عاد لي جليل، وركبت معه وأنقذنا من الهلاك. كان جليل شجاعا وأفعاله غير متوقعة. يجب معرفة قدر امثاله. أوصي المراسلين والمصورين تصوير يديّ جليل ووضعها في أرشيفهم! الاختلاف البائن في اليدين دليل على غيرته.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2520



http://oral-history.ir/?page=post&id=9329