ليالي الذكريات الثلاثمائة وستة عشر- 1

بضعة ذكريات من فترة الأسر على يد التكفريين

إلناز درويشي
ترجمة: هادي سالمي

2020-09-06


أقيمت ليالي الذكريات الثلاثمائة وستة عشر في 27/8/2020 على موقع آبارت. وتحدث كلّ من مصطفى بيدقي الذي كان أسيرا على يد التكفيريين والسردار علي ولي زادة الخبير في التفجيرات. وقد اراد البرنامج داود صالحي.

وتحدث بداية أحد 48 إيرانيا كانوا يقصدون الزيارة في 4/8/2012 سوريا وفي الساعات الأولى من دخولهم لسوريا، خطفوا على يد الإرهابيين وبعد 168 يوما من الأسر عادوا إلى إيران. وتحدث مصطفى بيدقي عن زاوية من تلك الأيام قائلا:

قصدنا دمشق في 4/8 المصادف لمنتصف رمضان إلى دمشق. وكان من المقرر في مطار دمشق أن نزور مرقد السيدة زينب (ع) ثمّ ندخل دمشق. في الطريق الزينبي كان هناك عدة ميادين؛ وكان السائق قد اتفق مسبقا مع الإرهابيين، أن يوقف الحافلة في أحد المنحرفات ويفتح الأبواب. ولأني كنت أجلس في مقدمة الحافلة عرفت أنه تمّ محاصرتنا من قبل سيارات خرج منها مسلحون ودخلوا الحافلة.

منذ دخولهم الحافة بدؤوا بضربنا وشتمنا وأمروا باغلاق الستائر وأن نخفض رؤوسنا وأن نسلم هواتفنا. وكان كلما ما يُقال يُترجم من قبل المترجم الأفغاني أبو محمد الذي كان دليلنا.

أخذونا بداية إلى منطقة جرمانا ثمّ بيت نائم وهي مدينة صغيرة تقع على اطراف دمشق. حاولت قراءة اللافتات لأعرف إلى أين نتجه. توقفت الحافلة في طريق مسدود على جانبيه مزارع. فتح احدهم باب موقف سيارات وأخروجونا من الحافلة للداخل. ووقف التكفيريون بصورة لا يمكن العبور إلا من بينهم. وحين كنا نعبر ضربونا بأسلاك وحجارة. وفي نهاية الصف كانت غرفة وهي مقرنا الأول في فترة الأسر. وقف في باب الغرفة شخص طويل القامة أسود وخشن جدا وعرفنا فيما بعد أنّ اسمه أبو عدي ومن السعودية. كانت كتابة "يا زينب" على سترتي، سحب أبو عدي بغضب الكتابة ونظر إليّ مباشرة ما يعني سوف أفهمك! وبعد أن دخلنا أمرونا أن نجلس على دكات موزعة حول المكان بمسافة تفصلنا عن بعضنا. ضربونا ساعتين، كانت هذه الساعات الأولى صعبة جدا.

وبعد أن استقبلونا جيداأخذونا منا ساعتنا وخواتمنا وأحزمتنا وثيابنا وأحذيتنا. كانوا من الحقارة حيث بدؤوا بتقسم ما أغاروه منذ البداية. ثمّ طلبوا منا أسماءنا. إعتقدتُ أنهم يطابقون الأسماء مع جوازات السفر؛ ولكني انتبهت أنّ هناك شيء آخر وأننا وقعنا في يد التكفيريين؛ لأنهم كانوا يتحسسون من بعض الأسماء؛ وهي عبارة عن الأسماء المباركة علي والحسين والمهدي. كلّ من حمل اسما أو لقبا من هذه الأسماء، كان يحصل على 10 أو 15 صفحة زيادة. وخطر في بالنا أننا نفي في أرض الشام محبة أمير المؤمنين.

كان بيننا سيد فاضلا من مدينة أرومية جلس بجانبي، سألني: "لماذا يتعاملون معنا هكذا؟!" من لطف الله خطر ببالي وقلته للسيد: "إذا كان أحد ما يرى نفسه وارث عالمي جدته الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء، فهذا ما ورثه". دارت هذه الجملة بين البقية وكانت بارقة أمل. اسم الجدة منحنا قوة ومن حينها لم نطرق رأسنا حين نصفع. كان اسم السيدة الصديقة رمزا بيننا منذ البداية.

مرت ساعة موحشة علينا إلى أن سألنا شخص باسم ابو حمزة وهو من قادة العمليات بصورة غير مؤدبة: "مَن بينكم يحبّ الإمام؟" وذكر الإمام (الخميني) بصورة غير مؤدبة. وتصوروا وضعنا بعد ساعات من الضرب والشتم، وأشهد الله رفعنا أيدنا كلنا سوية؛ أوجدت حركتنا بينهم وحشة حيث صوّب كلهم أسلحتهم نحونا. خافوا من اسم الإمام وعقيدة الشباب وهذه إحدى آثار اليوم الأول من الأسر.

يد الله فوق أيديهم

قسمونا في فترة أسرنا إلى ثلاث مجموعات وطوال هذه الفترة كنت اُنقل بين 7 مدن و14 منزلا. كان لديهم مكان يشبخ السجن لنا؛ مثل الأقبية والمخازن وحدث مرة أو مرتين أن سجنوننا في حظائر. أخذوا 24 شخصا منا إلى مكان يطلق عليه أبو غريب. سألنا هناك شخص تكفيري وكان متدين ويمكن الحديث معه وأخذ معلومات منه: "لماذا أحضرونا إلى هنا؟" قال: "هنا مكان تعذيب الضباط السوريين الذين حاربونا، كذلك مكان الأسرى نريد أخذ اعترافات منهم".

مررنا بأيام صعبة؛ كانت صحراء والأجواء باردة ونلتصق ببعضنا أثناء النوم للحصول على دفئ. وبعد سبع أيام في أبي غريب، جاء شخص باسم ابو الناصر الشمير قائدة فيلق البراع يريد أخذ اعترافات منا، لأنهم ظنوا أننا عسكريين. طلب أبو الناصر من الشباب التقرفص وبدأ بالخطابة. منحنا خمس دقائق لنقدم القادو من بيننا.  قال أحد الأصدقاء لتغيير الاجواء: "ليفرج الله عنك وعنا" أجابه أبو الناصر بجملة كان وقعها ثقيلا علينا: "لن يستجاب دعاءك، لو كان دعاءك مستجاب لما اسرت، أنت مجوسي وكافر ولن تدخل في رحمة الله".

حين قال أبو الناصر هذه الجملة تمثل لي أنه قبل 1400 سنة في أرضا الشام، ماذا قال يزيد الملعون للسيدة زينب وماذا أجبته. في تلك اللحظة حضرتني حالة ورفعت يدي بمعونة السيدة زينب وقلت جملة بغيض علوي: "يد الله فوق أيديهم". حين قلت هذه الجملة سقطت هيبة أبو الناصر أمام قواته وقال بلهجة سورية: "ماشي، ماشي، دقايق، دقايق". في هذه الأثناء كانت الطائرات السورية تحلق فوقنا وظنّ التكفيريون أنهم مستهدفون فتفرقوا. في اليوم الثامن نقلونا إلى مكان جديد في مدينة زمليكا لأنهم لم يشعروا بالأمان.

عشرة الولاية

أبقونا ما يقارب الخمسين يوما في مدينة زمليكا في قبو نصله بعد 30 درج وفيه حمام. ما إن دخلنا لاحظنا أنهم لحموا كل النوافذة. وبعد 19 يوما لأمتلأت المرافق وكان وضعنا الصحي سيء جدا. وبقينا هناك حتى حلّ عيد الأضحى ونزل إلينا شخص منهم نذل جدا وقال: "جهزوا انفسكم لتنظيف حفرة المرافق". وبعد أن وجدنا حفرة المرافق وأخليناها قال: "هذه عيدية الأضحى".

عشنا هذا الوضع لعشرين يوما وأصيب الشباب بأمراض. كنا نعيش في ظلمة مطلقة، حصتنا في كلّ يوم شمعة واحدة نشعلها بعد صلاة المغرب والعشاء. كانت عشرة الولاية من عيد الأضحى حتى الغدير، تكلمت مع الأصدقاء وقررنا أن نحتفل بعد الصلاة كل ليلة ويقوم كلّ شخص منا بقراءة حديث أو شعر في كرامة أمير المؤمنين.

وكان طعامنا في كل يوم صحن قمح مطبوخ لكل خمس أشخاص وكأس ماء للشرب والوضوء، بينما كنا نتيمم ونحتفظ بالماء للشرب. وكان السيد مصظفى يادكاري مسؤل التجهيزات، جاء في ليلة عيد الغدير حملا كأس ماء ومقدار خبز جمعناه وقال: "سوف أقدّم لكم عصيرا وحلوايات". وكان من أطيب ما أكلناه.

عزاء أبي عبد الله في فترة الأسر

 كنا في القبو حين حلّ شهر محرم. لم يكن يسمح لنا حتى بتبادل الحديث. وصادف أيضا قصف زمليكا وانقطت الكهرباء وكانوا يستخدمون مولدات كهرباء. وضعوا المولدة أمام مدخل القبو حتى يدخل الدخان علينا والصوت؛ ولكن وبلطف الله كان الصوت مغطيا على مراسم عزاء أبي عبد الله. قد تدركون وضعنا أفضل مع هذا المرض المنحوس "كورونا" فيما كنا فيه.

هكذا أمضينا محرم حتى وصلنا إلى فصل 36 شخصا عنا ونقلوهم إلى مكان آخر. تركوني مع 11 شخصا من الأكبر سنا والمرضى. بدأ مرضي منذ ذلك اليوم حيث أخذوني للتعذيب ووضعوا كيسا على رأسي. ربطوا يدي من خلف ووضعوا رجلي على كرسي وضربوني على رجلي. وكنت أكرر يا الله ويزيد غضبهم ودفعوا الكيس داخل فمي مما تسبب في خنقي. فقدت الوعي وأدى إلى أن أصيب بالشلل شهرين؛ لذلك وضعوني مع البقية في القبو.

التوسل بعلي الأصغر (ع) لشاء العزاء

 

وصلنا إلى الخامس من شهر صفر وشهادة السيدة رقية (س). وكنا نعرف التاريخ عن طريق ذهاب شخصين منا في كل ليلة لغسل الثياب ونعرف التاريخ من التقويم الموضوع هناك. أقمنا مجالس العزاء الليلة حتى قال أحدنا: "هل تذكرون حين كنا نذهب لمجالس العزاء هناك شيء دائما موجود؟ أريد احتساء شاء مجالس العزاء". قلت: "هل حنّ قلبك للشاي أو شاي العزاء؟" فبكى. قلت: "هل حنّت قلوبكم لشاي العزاء؟ الليلة في توسلنا نطلب شاي العزاء". توصلنا تلك الليلة بداية بعلي الأصغر (ع) ثمّ السيدة رقية (س) ةقلنا: "نطلب منك يا سيدي شاي العزاء". انتهت مراسم العزاء ووصلت لحظة العمل، وكان دوري. ذهبت خلف الباب ووجدت إبريق شاي بيد الحارس. قلت: يا إلهي ليس لديّ ماء لغسل الإبريق. حاولت حمله من الأسفل فقال لي "انتبه إنه ساخن". أخذته منه وكان ثقيلا. صدقت ولا أريد التصديق؛ اغلق الباب خلفي وعدت لمجموعتي. حين وجدوني على ما أنا فيه سألوني ماذا حدث مصطفى؟ قلت: "طلبتهم شاي العزاء ووصل المدد". كانوا يحضرون لنا الشاي في بقية الليالي.

ختم القرآن وزيارة عاشوراء

منذ يومنا الأول في الأسر في شهر رمضان طلبنا القرآن الكريم وسلمونا قرآنين. وكان كل واحد منا يقرأ حسب استطاعته. وانقضت الفترة وأخذونا إلى مكان آخر والتحقنا بال 36 آخرين.

طوال فترة الأسر كان الأصدقاء يرون أحلاما صادقة. أحد هذه الأحلام كانت لجوادي فر من أهل نيشابور. حلم قبل صلاة الصبح أننا تحررنا وختمت أوراقنا في مطار دمشق بختم زيارة عاشوراء أبي عبد الله. وبعد أن حدثنا بحلمه، قررنا قراءة ما نذكره من زيارة عاشوراء وكتبناها على كارتون  وتحررنا في يوم شهادة الإمام المجتبى (ع).

وأنهى بيدقي حديثه قائلا: مع قرب تحررنا جاء أبو الناصر الشمير بعد شهر. وكنا ننتظر الخبر للخروج. كانت السماء تمطر والتدى أبو الناصر واقي مطري وكان غاضبا واتضح ذلك من تدخينه. وكرر نفس الشخص نفس الجملة أمامه فرّج الله عنا وعنك، ولكن أجاب هذه المرة بجواب سيبقى في الأذهان. تصوروا عدوا عذبنا لستة أشهر وجلس أمامنا الآن قال: "بعيد عنا، بعيد جدا. وإذا جاء فهو أقرب لكم، قريب جدا؛ أنتم ناس روحانيون، إدعوا لنا". هو نفس الشخص الذي كان في اليوم ال 38 من الأسر في أبو غريب يصفنا بالكفار والمجوس وقال لن يستجاب دعاءكم، والآن يطلب منا أن ندعو له. ليس أمامنا فقط بل أمام إرادة محبة أمير المؤمنين والمعصومين الأربعة عشر وقف عاجزا!

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2122



http://oral-history.ir/?page=post&id=9432