حوار مع القائم بأعمال السفارة الإيرانية الأسبق في بغداد، مهدي بشارت

ما لم يقل عن محاصرة ال 40 شهرا في السفارة/ القسم الثالث

كأنهم يستمتعون بتعذيب الإيرانيين

ترجمة: أحمد حيدري مجد

2016-1-12


في غروب 14 فبراير 1978 كنت في الرحلة المتجة الى بغداد. إستقبلني في المطار، المسؤل عن قسم القنصلية و شخصان من أعضاء السفارة و لم أكن أعرف أي شخص منهم. قالوا لي تقام في السفارة مراسم استقبال وفد عسكري رفيع المستوى و علينا الذهاب مباشرة. قلت لهم من الأفضل لو ذهبت الى الفندق و غيرت ثيابي و ثم أحضر المراسم. فقالوا لي لنذهب لم تعد في لندن.

جمال و أبهة سكن السفير في الليل له سحره. بناء عظيم على طراز القصور الهخامنشية مع سقف مرتفع و أعمدة رخامية خضراء، و سجادات و لوحات ثمينة، تقع السفارة في مساحة 18 ألف متر.

ما لفت إنتباهي في اليوم الأول، عدم تطابق الضيوف العرب خاصة العراقيين مع جلالة المجلس و عدم معرفتهم بالبروتكول. حضر البعض منهم في ليلة شتائية و عشاء رسمي ببدلة بيضاء أو بدلة غير متناسقة الألوان و مجعدة و أكثرهم حمل مسبحة.

حجزوا لي في فندق دار السلام و يعتبر من أفضل فنادق بغداد ولكنه لا يصل الى فنادق الدرجة الثانية و الثالثة الإيرانية و علي البقاء فيه حتى حصولي على منزل. في الصباح حين أردت مغادرة الفندق الى السفارة واجهت أمرا عجيبا. إصطفت سيارات الاجرة أمام الفندق و لكن حتى السواق الذين ارتفعت أصواتهم من أجل الركاب لم يستقبلوني بل البعض منهم يدير وجهه عني حين اقترب منه، وقفت متحيرا حين اقترب مني رجل جميل الهندام يضع نظارة شمسية و قال لي تفضل معي أنا من سوف يوصلك الى السفارة الإيرانية. ركبت معه و اتجهنا الى السفارة. حين قصصت على زملائي ما جرى قالوا لي لا يحق لسواق التاكسي أن يركبوك معهم حتى تجبر على أخذ سيارة هذا الشخص من الأمن العام. علاوة  على ذلك، ليس هذا بالامر المهم و بعد أن تحصل على بيتك، سوف يزعجوك بحجج كثيرة صباحا و مساء و ظهرا.

في صباح اليوم الثاني رأيت نفس السيارة في انتظاري. ركبت السيارة و طلبت من السائق الذي يحاول فتح الحوار معي أن يأخذني الى محل خاص بالدبلوماسيين و أن ينتظرني حتى أعود. و لكي أجعل الجو حماسي، بعد دقائق خرجت من الباب الخلفي للمحل و ركبت سيارة أجرة أخرى و اتجهت الى السفارة. منذ اليوم تغير المشهد. لم أعد أرى ذلك الرجل. و لكن في كل يوم يأتيي شخص أمام الفندق و يطلب من أحد السواق أن يقلني الى السفارة.

كيف كان الوضع في بغداد و كيف كان وضع الناس؟

قلة الأغذية و الفاكهة و المنتجات في العراق لا تصدق. و إذا كان هناك مال، لا يوجد شئ لشرائه. كان الحليب و البيض و الزبدة و الدجاج و .. توزع كحصص. الفاكهة من أي نوع كانت تعتبر إكسيرا. يقوم موظفو السفارة و بالتنواب بارسال السائق لشراء الفاكهة و ما نحتاجه الى مدينة قصر شرين ( منطقة إيرانية حدودية) و نقسمها بيننا. و لا تتطرق الى الأجهزة الكهربائية و السيارات و الأجهزة الأخرى ما يطلق عليها الكماليات، لا يوجد في كل بغداد ممثل عن الشركات الأجنبية لشرائها. تدخل الدولة كل ما تريده و تبيعه في المحلات الحكومية. و على هذا تجد صفوفا طويلة في المدينة من الناس، و يهجم الناس على كل ما تدخله الدولة.

لا أنسى بعد مرور أيام على دخولي الى بغداد خرجت مع صديقي العزيز منوجهر بيكدلي بسيارته من السفارة متجهين الى الفندق. رأيت في الطريق تجمعا كبيرا من الناس أمام محل بيع و الناس تقفز من الحاجز. أوقف بيكدلي السيارة و ترجل منها بسرعة. سألته الى أين تذهب؟ فقال: سوف أذهب لأرى هل هناك شئ يمكن شراءه، لأنه من غير المعلوم هل سيعرض مرة ثانية بعد سنة أو سنتين في الأسواق! بعد أقل من دقيقة عاد و قال: تخيل ما الذي يعرض، مطرقة!

في تلك الأيام الأولى صادفني منظر غريب آخر. وقف رجل عربي متوسط العمر أمام مرسيدس بيكدلي، أخرج من جيبه عملات نقدية كبيرة و قال: خذ سعر سيارتك مهما كان من هذا المال، و لتكن لك ما دمت بالعراق، و لكن حين ترحل سلمها لي! بعد ذلك، تكرر هذا المشهد معي عدة مرات. و السبب هو عدم وجود فروع لشركات السيارات في العراق و لا يمكن لأحد ادخال السيارت للعراق إلا الدبلوماسيين. كان العراقيون يسجلون اسماءهم لشراء سيارة لادي الروسية تحت اسم " نصر" و المصنعة في مصر و بعد سنة أو سنتين يستلمونها و اللون الوحيد هو الأبيض.

نموذج آخر، لأسباب أمنية، لا يُباع المذياع ذي الأمواج القصيرة في العراق و وحدهم الدبلوماسيون بامكانهم شراءه من محلات الدبلوماسيين في بغداد. و الوضع الصحي و الخدمات المدنية وضعها بائس، فما بالك في المدن الأخرى. وحول هذا الأمر أشير الى نقطة و أترك الموضوع. لم يكن في عاصمة العراق، حتى العام 1984 حين كنت هناك، نظام لجمع النفايات. في ذلك الجو الحار و الملوث، كان الناس مجبرين على جمع نفاياتهم في براميل كبيرة و وضعها الى جانب النهر و حرقها.الى جانب هذا النقص و المفارقات، لفت انتباهي أمر و هو جهود الدولة على تثبيت الأسعار و الوقوف أمام ارتفاع الأسعار. أي سلعة و إن كانت في أقصى مكان تباع بنفس سعر أفضل محل في بغداد. الدولة تشددت أمام ارتفاع الأسعار الى حد أنه لا يجرأ أحد على الخطأ.

كيف كانت أجواء السفارة؟

السفارة في بغداد رغم أنها من أكبر و أهم السفارات الإيرانية، و بعدة أسباب، منها سوء الاحوال الجوية و قلة وسائل الراحة و الأجواء المغلقة و التصادم مع العراقيين، لم تكن مكانا يوده موظفو الوزارة الخارجية ما عدى قلة لهم ذوقهم الخاص، أو من يتطوعون للعمل هناك ، أو مثلي جئت تحت اصرار الدكتور صدرية. هذا الجهاز الطويل و العريض يمكن وصفه بنهاية طبل. كانت أقسام السياسة و الاقتصاد و المطبوعات ضعيفة جدا و يدير كل قسم شخص واحد فقط و دون السفير، هناك أربع دبلوماسيون واقعيون ( الملحق و السكرتير الاول و الثاني و الثالث)، في حال أن سفارتنا في لندن فيها أكثر من 20 دبلوماسيا من عدة مستويات. و هناك عدة أشخاص لديهم عناوين عريضة و جوازت سفر دبلوماسية، و لكنهم إما لم يكونوا من موظفي وزارة الخارجية أو من الإداريين. في المقابل، كانت السفارة مليئة بالموظفين و العمال المحليين. بالطبع هناك ملحقات عسكرية و تعليمية و ثقافية واسعة و يعملون جيدا. كانت وظيفتي هي إعداد التقارير السياسية و لكن فيما بعد ألحقت بي الأعمال الإقتصادية و إعداد التقارير الخبرية الصحفية. كان منوجهر بيكدلي شابا ذكيا مثقفا و مسؤل قسم القنصلية و ينشط في مجال إعداد التقارير السياسية. و صديقي الثاني هو السيد منوجهر زمان وزيري و هو يعتني بالأعمال الثقافية و الإدارية.

لا يمكن الإعتماد على القنصل أو الشخصية الثانية في السفارة. عمل منذ فبراير 77 و حتى 78 ثلاث قنصلية في بغداد: إنتهت عمل القنصل الأول و هو رجل كبير السن و يحضر قليلا للسفارة، في بداية العام 78، الثاني لم يكن على توافق مع السفير و بعد أشهر طلب نقله الى المركز و الثالث جاء قبل الثورة بشهرين و طلب العودة الى طهران بحجة الإجازة و لم يعد.

مرت تقريبا ثلاث أشهر على بدأ عملي في بغداد حين قال لي الدكتور صدرية فرحا أن مكان مهمته تغيرت و بسرعة سوف ينقل الى ألمانيا الغربية. قلت له: هل كان هذا مقررا من قبل؟ قال: تكلموا حول الأمر. قلت: إذن لماذا أحضرتني الى هنا؟ قال: تعال معي الى ألمانيا. أجبته: ألا تعلم أن عليّ إنهاء أربع سنوات في الشرق؟ على أية حال وقع الفأس في الرأس و لم يبق لي إلا البقاء. تعبت من العيش بعيدا عن العائلة في الفندق و إيجاد منزل مناسب هو كالحصول على الاكسير. يأخذون أجرة تقطع الظهر مقدما لسنة أو سنتين و فوق هذا لا يمكن للمواطن تسليم منزله للدبلوماسيين دون أخذ موافقة الجهات الأمنية.و بعد توقيع عقد المنزل لم يسلم لي المفتاح لفترة بعدة حجج و ذلك لتركيب الكاميرات و أجهزة الاستماع. في النهاية أجرت فيلا كبيرة و جديدة و أجرتها تأخذ نصف راتبي لأكون مرتاح البال فيها و ليحضر ضيوفي اليّ من إيران ( أي خيال ساذج هذا!)

كانت علاقة البلدين على الظاهر جيدة و محترمة و لكن خلف الجمل الصديقة و الابتسامات و المجاملات، جبل من الشتائم. كان رجال الدولة البعثية يشعرون أمام إيران و الإيرانيين بالحقارة و  بدات أسباب العداوة و الحقد من هنا، و كان يظهر مثل الجمر تحت الرماد أحيانا. و كأنهم يستمتعون بتعذيب الإيرانيين. كمثال، لوصل أسلاك الهاتف لمنزل موظف السفارة الإيرانية و هو عمل لا يحتاج إلا يوم واحد، يتركون منازل موظفي السفارة الإيرانية لأشهر دون هاتف، أو يرفضون، كما حدث معي تبديل لوحات سيارتي، لكي يوقفوني كل يوم في الشوارع. الملفة أكثر، هو الوقوف أمام طلبات زيارتنا لكربلاء و النجف و سامراء. كان المعمول به لأخذ الترخيص للسفر، أن نرسل رسالة الى وزارة الخارجية العراقية و نحدد موعد السفر بعد إسبوع على الأقل و يعد العراقيون أن يجيبوا على الاكثر بعد يومين، و لكنهم يتركون الرسائل دون رد أو يأخرون الرد ليمر موعد السفر. بات هذا الأمر في التعامل بعيدا عن الادب و الطفولي سببا لكي لا أزور أنا و عائلتي ،طوال إقامتي في العراق، إلا ثلاث مرات كربلاء و النجف و مرة وحيدة سامراء. و باتت وظيفة جيراننا أكثر ثقلا، لأن عليهم مراقبة ما نقوم به و خروجي أنا و عائلتي و حتى الخدم و البستاني و يسلمون التقارير للجهات الأمنية. النتيجة لم نكن نشعر بالامن لا في المنزل و لا في الشوارع و لا في السفارة، كانت كل اتصالاتنا و رسائلنا و لقاءتنا و تحركنا مراقبا. في صيف 1978، نقل الدكتور فريدون زندفرد سفير إيران في إسلام آباد الى بغداد و أخذ مكان الدكتور صدرية. ما تقرر هو إذا لم استطع الذهاب الى باكستان، سينتقل هو الى العراق. سعدت لأني سأعمل مع سفير له اسم حسن و طيب و صادق.

يتبع...

المصدر الفارسي



 
عدد الزوار: 4251


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة