مذكرات الملازم الثاني الراحل نجاتعلي اسكندري

إقتباس: فائزة ساساني خواه
نرجمة: حسن حيدري

2022-04-11


في شتاء 1979م ، بعد عام من انتصار الثورة، تم استدعاؤنا لقيادة الجيش. ارتدينا الزي العسكري وذهبنا إلى لويزان. قادوا كتيبتنا إلى مكان كبير. كانت ذروة برد الشتاء والثلوج الكثيفة. بعد ذلك بوقت قصير ، سمع صوت سيارة توقفت خارج ذلك المكان، ودخل العديد من الأشخاص، قصار وطوال، ولدهشتنا، رأينا الشيخ صادق خلخالي يدخل مع اثنين من الحراس ويقف أمام صفوفنا. كما وقف قائد كتيبتنا إلى جانب هذه المجموعة المعادية للثورة؛ ماذا يفعل؟ قاموا بقطع رؤؤس أبناء وطننا ومثّلوا بجثثهم ويحاولون تقسيم تراب إيران بأمر أجنبي. مهمتكم هي الذهاب الى كردستان وقمع الكومالا والديمقراطيين ...

انتظر بعض الوقت للتأكد من أنّ الأمور تسير على ما يرام، ثم قال:"المستعدون للإرسال سيذهبون إلى مركز القيادة لينسقوا معهم وسيكونون في محطة سكة الحديد غداً في الساعة السادسة صباحاً للقيام بالمهمة. بالطبع، الأوامر العسكرية، خاصة في زمن الحرب، ليست إختيارية، يمكن لأي شخص تقديم أعذار بأنني لن أذهب أو سأرحل الأسبوع المقبل. على أي حال، وبدون أي شكليات خاصة، حصل كل منا على عشرة آلاف تومان وكنا مستعدين للعودة إلى المنزل لنقول وداعاً لعائلتنا والمغادرة إلى كردستان في الصباح.

قبل مغادرتنا، أبلغونا بالعودة إلى قائمة الانتظار. انتظرنا خمس أو ست دقائق وتحدثنا عندما دخل رائد وصرخ: "اصطفوا جميعاً". لقد وقفنا جميعاً في صف واحد. بعد لحظات، دخل رجل طويل القامة بخطوات ناعمة وثابتة ورأسه للأسفل، وتبعه عدد من الضباط عبر البوابة ووقفوا بالقرب منه. كان العميد فلاحي. لم أره عن قرب، لكنه كان شخصية معروفة لنا جميعاً بسبب الصور التي نشرت منه في الصحف. كان نحيفاً وطويل الجسد ووجهه نقي وموقرولكن في عينيه حزن عميق. شعرت أنّ لديه أخباراً سيئة أو أنه مستاء جداً. كان يرتدي معطفاً وكان بسيطاً ومتواضعاً. انزلقت نظرته الحزينة بسرعة كبيرة على وجوه الجنود وقال: "أيها السادة! الإخوة! أنت تعلم أنه ومنذ اليوم الأول لانتصار الثورة، بدأ الخونة  في البلاد بمساعدة عملاء أجانب في غرب الوطن، حركات من شأنها، إذا لم يتم قمعها، أن تؤدي إلى تفكك كبير في بعض المناطق من إيران. أتى أفراد فرقتكم من الحرس السابق معي إلى الغرب منذ اليوم الثامن لانتصار الثورة وقاتلوا في كردستان ومهاباد، وأنتم ملزمون أيضا بالتضحية بأرواحكم حفاظا على استقلال وشرف الوطن. لقد أنفقت الدولة أضعاف ما أنفقته للجيش لتدريب كل واحد منكم. اليوم هو اليوم الذي يجب أن تقدموا فيه دينكم لإيران وللثورة. حفظكم الله جميعاً.

لم أرَ العميد فلاحي مجدداً، حتى نُشر خبر استشهاده في حادث تحطم الطائرة المريب مع السيد محمد جهان آرا واللواء فكوري عام 1981. برأيي، كان القائد ولي الله فلاحي من أشرف القادة الذين ظهروا في السنوات المضطربة التي أعقبت الثورة، ولعب دوراً مهماً للغاية في الحفاظ على وحدة وتفوق الجيش ومواجهة الأعداء الداخليين والخارجيين. إلي روحه السلام...

في ذلك العام رزقني الله عزوجل بطفل آخر. كان طفلي الثاني صبياً أيضاً. سميته مرتضى. كان الأطفال أصغر من أن يفهموا الوضع، لكن زوجتي ووالديها كانوا قلقين للغاية؛ لكنهم حاولوا عدم إزعاجي أو إظهار مايدور في خلدهم.

في الصباح الباكر التقطت حقيبة عسكرية صغيرة وغادرت المنزل. اعتقدنا جميعاً أنّ الاضطرابات ستنتهي قريبًا وسنعود إلى المنزل والحياة، بينما منذ الفجر البارد لشهر فبراير عندما ذهبت إلى محطة سكة الحديد، استغرقت مهماتي القتالية عشر سنوات وأخيراً بعد سنوات تمكنت من العودة لعائلتي .

ذهبنا إلى بيرانشهر بالقطار إلى مراغة ومن هناك بالحافلة. بمجرد نزولنا، طلبوا منا تشكيل مجموعات من عشرة أشخاص. كانت مهمتنا استكشاف وتطهير غابة آلواتان.مكثنا في الغابة لمدة ثلاثة أيام. حتى وجدنا بعض الدبابات في وسط الغابة. كانت الدبابات تابعة للجيش حيث نهبها أعداء الثورة من ثكنات الجيش. كانت عبارة "حزب الشعب الديمقراطي الإيراني" مكتوبة على الدبابات.

أحضروا بعض شاحنات زيل وانتقلنا إلى سردشت. صادفنا مشهداً مثيراً للاهتمام بالقرب من المدينة؛ ووقف ضباط الشرطة على جانبي الطريق وهم يهتفون "وداعا يا أخي العسكري وأهلا بكم يا جنود الله".  وساد جو من التخويف والذعر والجميع ينتظرون دخول الوحدات العسكرية.

داخل معسكر سردشت، وقف أمامنا شاب نحيف كان ضابط مدفعية برتبة رائد وعرّف عن نفسه وقال: "أهلا بكم أيها الإخوة في الجيش. أنا الرائد صياد شيرازي. كنا بحاجة إلى قوة متماسكة ومدربة. بارك الله فيكم. يوجد تهديد وقد يهاجموننا في أي لحظة ويستولون على المدينة. عليكم أن تقوموا بتأسيس قاعدة".

واتضح من شجاعته وطريقة حديثه أنه رجل متدين وعضو في قوات حزب الله في الجيش. كان نشطاً ومثابراً ونجح في إقامة علاقات جيدة مع جميع التخصصات والمنظمات. شكلنا قواعد على الجوانب الأربعة للمدينة وعلى التل. كل كتيبة كانت متمركزة على تل. منذ اليوم الأول للتأسيس، تم تشكيل مجموعات دورية وتشكيل حلقة أمنية حول المدينة. على الرغم من الدوريات والكمائن، تمت مراقبة المداخل والمخارج بعناية، وقمنا بمراقبة القرى حول المدينة بكاميراتنا.

لكن الكومالا والديمقراطيين لم يقفوا مكتوفي الأيدي. كانت هناك غابات متفرقة من خشب البلوط على التلال، ونباتات غنية تقريبًا مع مجموعة متنوعة من الشجيرات والكروم البرية، والتي جمعها الناس من الأغصان الجافة واستخدامها كوقود. كان الأكراد يتسلقون التلال التي تشكل القاعدة باستمرار، وبحجة جمع الحطب، كانوا يدركون موقعنا وعددنا ومعداتنا. لا يمكن فعل أي شيء، لأنهم بدوا مثل السكان الأصليين، لكنهم كانوا في الأساس قوات استطلاع.

بمجرد أن رأى حارسنا بوضوح صبياً مراهقاً يعد عدد خيامنا ويقوم بالعد والحفظ بأصابعه. كان قد تقدم إلى الأمام وأمسك الصبي من الياقة عندما رأينا أعمال الشغب. بعد أقل من ساعة، جاء عشرة أو اثنا عشر رجلاً وامرأة يركضون ويصرخون أمام القاعدة. لقد رأوا أنه تم القبض على أحدهم. كان من الواضح أنهم كانوا يعملون بشكل متسلسل ويوجد ما بيهم نوع من التكاتف. وقفت امرأة مسنة تقريباً أمام مجموعتهم وصرخت: "هل أتيتم من أجل سلامتنا وأمننا أم أنكم تريدون دمار حياتنا؟ هل أنتم لصوص، ماذا أنتم ولماذا سرقتم الطفل وأخفيتموه عنا؟ يا لقسوتكم".

أما باقي المجموعة، كانت تتحدث باللغتين الفارسية والكردية، وهم يتحدثون بنفس الكلمات، فقد وصفونا بالظالمين والأشقياء، وكانوا يطالبون ويرفعون أصواتهم لدرجة أنّ قائد تلك المجموعة أخذ الصبي بيده وأخرجه من الخيمة وسلمه لعائلته. لكن قبل مغادرتهم قال: لا تظنوا أنكم أذكياء وخدعتموني. أنا أعرف ما أقوم به. ولكن الكومولا يستغلونكم النساء والأطفال لمصالحهم وغاياتهم الخاصة.

بالقرب من المدينة كانت قرية تسمى قرية ملاشيخ. أفادت وسائل الإعلام المحلية مراراً وتكراراً أن العش الرئيسي المضاد للثورة موجود هناك، وأن بعضاً من أخطر الشخصيات تتمركز هناك. بمجرد أن أصابوا قاعدتنا بقذائف الهاون، وبعد إطلاق عشرة، أو إثنتي عشرة طلقة في كل مكان، هيمن الصمت ثانية. وافادت الأنباء انّ قذائف الهاون اطلقت من تلك القرية. بعد ليلتين تشكلت مجموعتان مهاجمتان وفي الساعة الثانية عشرة ليلاً هاجمناهم من اتجاهين. على الرغم من أن الأمر كان سرياً وتم إبلاغنا في الساعة العاشرة ليلاً بأننا مستعدون للحركة، إلا أنهم هربوا بعد ما علموا بقيامنا مداهتهم عبر مصادر محلية خاصة. وباستثناء عدد قليل من المسنات والرجال وعدد من الماشية، لم تشاهد أي مخلوقات في القرية. لقد ذهبوا مع زوجاتهم وأطفالهم وأخذوا معهم وثائقهم وأسلحتهم وذخائرهم. كانت قرية صغيرة ومتواضعة لا تزيد عن أربعين أو خمسين منزلاً. فتشنا جميع المنازل والأماكن حتى الفجر. وجدت أدلة حزينة. تم العثور على أحذية عسكرية والحراب والأسلحة وحتى المتعلقات الشخصية للأفراد العسكريين في زوايا المنازل. تم خداع الجندي المسكين واقتياده إلى القرية، وهذا كل ما تبقى منه. دفنت جثته في مكان مجهول. أمر قائدنا بالمطاردة. مكثنا؛ أنا وعدد قليل من الأشخاص في القرية لاعتقال أي شخص يأتي إليها. تحركت مجموعة من أربع سيارات جيب مع قوات الدرك وتعقبتهم ووجدتهم حوالي الصباح. لكنهم دخلوا تركيا عبر الوديان وتوقفت قواتنا عند نقطة الصفر على الحدود. [1]

 

-----------------------------

[1] كلدوست، حسين، جندي المدينة المحظورة، وثائقي عن ذكريات ملازم ثاني (ضابط الحرس االملكي) الراحل نجاتعلي إسكندري، دار رواية فتح للطبع، الطبعة الأولي، طهران 2021م، ص78.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 1911



http://oral-history.ir/?page=post&id=10485