الاهتمام الأكاديمي بالتاريخ الشفوي
مقابلة وإعداد: فائزة ساساني خواه
الإعداد النهائي: محمد قاسمي بور
ترجمة: حسن حيدري
2021-05-02
حاول مكتب الثقافة ودراسات الاستدامة التابع لمساعدية القيادة الإقليمية للفنون منذ إنشائه، جمع ونشر التاريخ الشفوي للثورة الإسلامية والدفاع المقدس في مختلف المحافظات والمدن. للتعرف على كيفية إنشاء هذا المركز وأنشطته، خاصة في مجال الثورة الإسلامية، حاورنا محمد قاسمي بور، رئيس مكتب دراسات الثقافة والاستدامة في مساعدية قيادة المحافظات للفنون، وذلك للتعرف على أهدافها ووجهات نظرها. كان عنوان الجزء الأول من هذه المقابلة "قدرة الروايات الشعبية".
هل كانت هناك حالات حاولت فيها إكمالها ولم تحصل على النتيجة المرجوة؟
نعم. لقد حاولنا في بعض الأماكن، لكنها في الحقيقة لم تنجح بشكل مثالي. على سبيل المثال، كان لدينا مشروع يسمى التاريخ الشفوي لمدرسة حكمة الثانوية في كرمان. تم تسجيله في التاريخ بعد أشهر قليلة من انقلاب 19 أغسطس 1953. كانت لدى الأمريكيين اتفاقية تعاون ثقافي مع الحكومات في ذلك الوقت تُعرف باسم مبدأ ترومان 4، والتي تضمنت نقل دور السينما إلى المناطق الفقيرة. أخذوا السينما على أساس متنقل إلى مقاطعات مثل كرمان وسيستان وبلوشستان، وكانت مدرسة حكمة الثانوية في كرمان إحدى مدارسهم الثانوية المرموقة. ذات يوم في خريف عام 1953 م، تم عرض فيلم عائلي من سينما هوليوود في تلك المدرسة. بمجرد بث بعض المشاهد غير التقليدية، ثار المتفرجون من المتدينين. كانت الأجواء حتى بعد الثورة، عندما رُدد شعار الموت لأمريكا رسمياً، وقام الحاضرون ومعظمهم من الطلاب بتعطيل البرنامج وكسر المعدات، وتدخلت الشرطة حينها، واعتقل عدد من المعلمين.
كان الباحث في هذا المشروع حائزعلى درجة الماجستير في الفنون وطالب دكتوراه، وكان ماهراً جداً في عمله. تم العثور على عدد محدود من الشهود في ذلك اليوم. أحدهم كان شاباً من طراز "أباراتشيك" عاش في طهران في سن متقدمة، وكان أحد ضباط الشرطة يزيد عمره عن 85 عاماً. لم يتم تسجيل أسماء الشهود ولم نتمكن من العثور على البقية. أي أنّ حجم الأفكار التي أردنا تحويلها إلى كتاب لم يصل إلى أكثر من 27-28 صفحة. اتفقنا مع الباحث وهو فنان وماهر في عمله، وفي مجال التاريخ الشفوي للسينما المتنقلة في إيران جاهز الآن للنشر. يناقش جزء من هذا الكتاب حدث ثانوية حكمة في كرمان في ثلاثينيات القرن الماضي.
لماذا تعتقد أنه لم يكن هناك سوى القليل من العمل على جمع ذكريات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي؟
الأمر بسيط للغاية، فنحن لا نقدر التاريخ، ولا نفهم التاريخ ولا نعرف قيمة التاريخ بالنسبة للمستقبل. على سبيل المثال، يمكنك أن ترى هذا في حركة المسؤولين في المنظمات. كما لو أنّ كلّ شيء قام به المدير السابق كان خاطئاً، يجب أن نكون حريصين على القيام بالشيء الصحيح. للقيام بالشيء الصحيح، يجب أن نعرف الطريقة التي سلكناها. التاريخ الشفوي في بلدنا ليس أكاديمياً، كما أنّ التأريخ المكتوب ليس سريع الحركة. لا يمكن أن يكون التأريخ المكتوب حزبياً ويتصرف بسرعة لتحقيق النتائج. يستغرق إجراء البحث وإعداد المستندات والتحقق منها وتوثيقها وقتاً طويلاً. نحن بحاجة إلى الاهتمام بالتاريخ الشفوي أكاديمياً، أي أنّ الجامعة يجب أن تكون مصدراً مثمراً للمعرفة في هذا المجال والموافقة على المناقشات النظرية لهذا العلم ودعمها. اليوم، على سبيل المثال، نفكر في الطاقة النووية، ولكن تم تدريس العلوم النووية في جامعاتنا لأكثر من 70 عاماً. في عام 1941م، عندما احتل الأمريكيون إيران، يفهم طالب الفيزياء ما تعنيه الطاقة النووية. تم تدريس نظرية الانشطار الذري في نفس الوقت، وكان الدكتور حسابي تلميذاً لأينشتاين وبدأ التدريس في عام 1935م، لكن التاريخ الشفوي لا يزال غير مُدَرَّس في جامعاتنا وعندما لا يتم تدريسه لا يكون له ناتج، لا توجد مخرجات تدعمها الأقسام العلمية. مصدرها إيمان الجامعة. وتجدر الإشارة، مع ذلك، إلى أنّ جامعاتنا في العلوم الإنسانية لا تلعب دورها في كثير من الأحيان مثل المجتمعات المتقدمة. عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، كان أقل من بضعة أشهر قبل أن تبدأ الجامعات الأمريكية في دراسة علم نفس الحرب والعلوم الاجتماعية، وظهر التاريخ الشفوي من قسم علم النفس. كان يبحث للتخطيط لقضاء وقت الفراغ لأسري الأمريكيين العائدين من الحرب.
في مقابلة مع 300 سجين محتجزين في معسكرات الاعتقال النازية في أوروبا، عند إجراء مقابلات مع علم النفس الإكلينيكي حول الخطط التي سيتم تصميمها لمستقبلهم، خلصوا إلى أنّ أجزاء كبيرة من حياتهم المهنية كانت قائمة على التاريخ ومفيدة للتاريخ، وأحالوها إلى قسم التاريخ.
يعود الكثير من إجابة سؤالك إلى حقيقة أنّ التاريخ قد شهد قسوة، ولا يهم مقدار هذا العلم الذي يمكن أن يكون بمثابة منارة للمستقبل، وبالطبع لا يفكرون فيه كثيراً، وهناك الكثير من الفرص وضياع المواهب. يمر أصحاب ذاكرتنا دون أن نجمع معلوماتهم. هذه الحجة اللامبالية لا تقتصر على الثورة. من عصر التقاليد، أُلقى بنا فجأة في عصر الحداثة، ودخلنا عصر التقاليد إلى الحداثة بسرعة كبيرة، وتسجيل هذه الفترة التي تتطلب الفن والجهد، انخرطنا في الحرب العالمية الثانية، كانت الحكومات مهتزة و لم يكن الوضع الاقتصادي جيداً خلفه مسافة بين الحداثة والحداثة وما بعد الحداثة. شهد المجتمع المحلي العديد من الأحداث الحاسمة الكبرى، مثل تأميم صناعة النفط. يتذكر كل من التسعينيات هذه الفترة، وقد يكون العديد منهم معاقاً جسدياً لكن ذاكرتهم قوية.
إلى أي مدى استطاع المجال الفني لشؤون المحافظات التواصل مع الجامعات؟ إلى أي مدى حاول مشاركة نتائجه مع الأجواء الأكاديمية؟
لقد نجحنا في بعض الأماكن والعكس حاصل في أماكن أخرى. على سبيل المثال، عمل الدكتور حسين عسكري، أستاذ التاريخ في جامعة البرز، على الثورة الإسلامية في ساوجبلاغ ولديه مشروع متعلق بتاريخ ثورة الإسلامية في البرز نفسها، لا أدري إذا كان يمكننا القول إنه ارتباط أم تداخل أم ارتباط بالجامعة أم لا؟ لكنه من الجامعة، يدرس في الجامعة ويتعاون في مشروع التاريخ الشفوي للثورة. في مشروع التاريخ الشفوي للثورة في محافظة جهار محال وبختياري وبالتحديد في مدينة شهر كرد، لدينا باحثون وباحثات، وجميعهم أساتذة جامعيون. في الأساس، في بلدنا، لا تعمل الجامعة كثيراً في خدمة السجلات والأحداث المعاصرة، ولا يتم دعم الأطروحات والمقترحات الخاصة بهذا العمل على الإطلاق أو هناك اشكاليات في الأعمال. على سبيل المثال، رأيت كتاب دا يُراجع بغلاف فاخر وتتم دراسته ومراجعته كرواية! الأستاذ المشرف، المستشار، وأسماء 3 أساتذة جامعيين حاصلين على درجة الدكتوراه مكتوبة عليها، لكن شخصاً واحداً لم يقل أنّ الكتاب ليس رواية وهو عبارة عن مذكرات.
لكن بالنسبة للمكان الذي لم يتمكن فيه العمل من دخول حيز الجامعة، دعني أعطي مثالاً. لدينا الآن العديد من الباحثين في أراك وهم جميعاً خبراء في التاريخ وتم نشر ثلاثة مجلدات من تاريخ الثورة الإسلامية في أراك ومجلدات 4 و5 و6 يتم العمل علي إعدادها والمصادقة عليها. على وجه التحديد، تم النظر في تاريخ الثورة الإسلامية مع التركيز على مصنع أراك لبناء الآلات. وتقرر دراسة دور عمال البناء الآلي في أراك في الثورة الإسلامية، وهو ما فعله الباحثون الشباب وهو أمر جدير بالثناء، لكن أساتذتهم الجامعيين ربما لا يقبلون هذه الأمور!
لماذا لا يقبل أساتذة التاريخ هذا العمل؟
يقولون ليس لها أي صلاحية تاريخية! في مثل هذه الحالة، بالطبع، لن يرحب هؤلاء الأحباء بالمجال الفني لتلك المحافظة.
هل لديكم برامج تعليمية وتدريبية في إعداد الطاقات؟
كانت أولويتنا الأولى وما زالت هي التعليم. لقد حاولنا تدريب باحث مهتم ومتعلم في مجال التاريخ الشفوي، ولم ننحاز في مناقشة الحرب والثورة، ولم نفصل موضوعيا. نحن لا نوظفهم ولا يمكن لمنظماتنا توظيفهم أو التعاقد معهم لمشاريع جارية. في الواقع، كنا نعلم أننا كنا ندرب مواطني هذا البلد على العمل لأنفسهم في المستقبل. الأشخاص الذين يعملون معنا هم إما شباب، على سبيل المثال، تتراوح أعمارهم بين 25 و 30 عاماً ممن يرغبون في إجراء البحوث أثناء الدراسة، أو أنهم مدرسون متقاعدون وطلاب دراسات عليا وأساتذة جامعات، وإذا تم دعمهم، فلن يذهبوا بعيداً . قال أحد المشاركين في ورشة العمل دون مجاملات: "أنا أقوم بالتوثيق وأريد أن أعرف مدى فائدة هذا التاريخ الشفوي الذي تقوله بالنسبة لي لتوثيقه. حضر الورشة لمدة يومين ثم قال: "شكراً جزيلاً لكم، الآن أعرف كيف أبحث عن فيلم وثائقي." في الواقع، رأينا أنه إذا قمنا بتدريب الأشخاص ، فسيتم إنتاج أعمال أقوى في مجالات أخرى.
هل صناعة الأفلام الوثائقية في برامج شؤون المحافظات؟
نقول عادة أنّ نهج مكاتبنا يجب أن يكون على هذا النحو بحيث توفر محتوى يمكن استخدامه في المسارح ودور السينما وما إلى ذلك. على سبيل المثال، في محافظة مركزي، تم إنتاج فيلم وثائقي بناءً على مقابلة شفهية مع أم شهيدة فازت بجوائز في المهرجانات. في بعض المحافظات، تم تنفيذ مشاريع أخرى، بما في ذلك إنتاج الأفلام الوثائقية.
إذا أمكن تفضل بشرح أهداف وخطط الثورة الإسلامية القصيرة والطويلة المدى في شؤون المحافظات.
هذا يتطلب استقرار السياسة. يجب أن يكون التخطيط واقعياً. والآن وصلت المحافظات إلى استقرار نسبي واكتفاء ذاتي من حيث الكوادر المدربة والمتخصصة. في التغييرات والتحولات الإدارية للمجال في عام 2021م وفي الأشهر الأخيرة، تم إعداد وإبلاغ وثيقة التحول الخاصة بمساعدية قيادة المحافظات في مجال الفن على جدول الأعمال، والذي في استراتيجياته الجادة "المحتوى الأصلي" يُرى باستخدام طريقة التاريخ الشفوي. مع الإشراف والإهتمام الخاص من الإدارة العامة للمجال الفني بتسجيل الذكريات والتجارب المتكونة في مجال ثقافة المقاومة والاستدامة والحركات الجهادية والحركات الشعبية العادلة بإذن الله سنبدأ العقد الثاني لمكاتب دراسات الثقافة والاستدامة في مراكز المحافظات.
نشكركم علي إتاحة الوقت لنا في موقع تاريخ إيران الشفهي لإجراء هذه المقابلة.
عدد الزوار: 3023
http://oral-history.ir/?page=post&id=9856