لقاء قادة الجبهة الوطنية بالإمام

المترجم: مقدام باقر

2023-11-12


في اليوم الواحد والثلاثين من تشرين الأول عام 1978، غادر الدكتور كريم سنجابي والحاج مانيان ومهديان طهرانَ إلى پاريس من أجل اللقاء بالإمام. وكان حاضرًا في لقائهم الأوّل بالإمام، الدكتور بني صدر والسيد سلامتيان والحاج أحمد نجل الإمام. بعد التحيّة والسلام، بدأ الدكتور سنجابي بالحديث مع الإمام بهدوء بل همسًا، إذ كان جالسًا إلى جنبه. فسحب الإمام رأسه مباشرة وقال: «لا نجوى لنا مع أحد، وليس من شؤوننا شيء خفي. إنه بإمكانكم أن تفصحوا عمّا شئتم بكلّ حرّية. قولوا بما شئتم وبما عندكم. فلست أنا بمُخفٍ شيئا عن هؤلاء الإخوة..»

كانت عبارة الإمام أنه أساسا لا نجوى لي مع أحد.

فأخذ الدكتور سنجابي يشرح مواقفه ومواقف الجبهة الوطنية ثم أقبل يسرد باختصار شيئا من تاريخ إنقلاب 28 مرداد (19 آب).

سمع الإمامُ الحديثَ. كنت أرى أن كثيرًا من الكلام كان مكرّرا على مسامع الإمام. كان السيد سنجابي بصدد المباهاة بالجبهة الوطنية لدى الإمام. [واتضح لاحقًا أن على الرغم من الدعايات الواسعة، لم يعد تعدادهم أكثر من سبعة وعشرين عضوًا]. بعد انتهاء كلام السيد سنجابي لم يتكلم الإمام بشيء. ثم تقرّر أن تستمر هذه الجلسة ويعود السيد سنجابي ليزور الإمام مرة أخرى وتستمرّ المفاوضات. وتم الاتفاق مع الإمام على أن تستمر الجلسة مساء الغد.

في مساء ذاك اليوم وصبيحة يوم الغد، أطلقت وسائل الإعلام الغربية وغير الغربية موجة وضجّة إعلامية عجيبة، إذ عدّوا لقاء الدكتور كريم سنجابي بالإمام ضربًا من الائتلاف والتصالح بين الإمام والجبهة الوطنية. الصحف قد عدّت ذاك اللقاء مهمًّا جدّا وكتبوا في الصفحة الأولى بالعنوان العريض: «لقاء بين قائدين كبيرين في إيران». لقد عرّفوا سنجابي قائدًا!

ومن جانب آخر، كان المفترض أن الدكتور سنجابي بعد سفره إلى پاريس، يغادر پاريس إلى أميركا من أجل زيارة أولاده، ـ إذ كان كل أفراد عائلة هؤلاء يعيش في أميركا ـ وبعد ذلك يسافر إلى كندا ليشارك في جلسة تحت عنوان «الاشتراكية الدولية».

بعد ما قدّمنا الصحف المنشورة إلى الإمام ظهرًا، ذكرنا له ما أثير من جدل وقلق. فأيّد الإمامُ هذه الهواجس وقال: «أخبروا السيد سنجابي عبر الشيخ إشراقي والسيد بني صدر بتأجيل الجلسة إلى حين رجوعه من أميركا وكندا».

فاتصل الشيخ إشراقي مباشرة بالسيد بني صدر وتقرّر أن يخبره بني صدر بذلك إذ كانت بينه وبين سنجابي علاقة صداقة.

الآن وعلى ضوء الوثائق الموجودة، بوسعنا أن نحكم على سنجابي وسوابق الجبهة الوطنية جيّدا. لقد أخبر الدكتور سنجابي بإلغاء لقاء المساء وعليه فلا يأتِ، وإذا هو يُلغي سفره إلى أميركا وكندا غدا. لم تتضح الحقيقة تماما لنا يومئذ. توقّعنا أن يكون السبب راجعًا إلى أنه كان المفترض أن يرأس إيران حكمٌ عسكري بعد فشل حكومة المصالحة الوطنية، أو أن السبب يعود إلى ما حدث في مجلس الأمن الأميركي إذ طرحت فيه فكرة الحكم العسكري، وعليه ألغى الدكتور سنجابي سفره إلى أميركا.

غدًا أخبروا الإمام بأن السيد سنجابي قد ألغى سفره إلى أميركا وكندا ويرجو اللقاء بسماحته في أسرع وقت. فقال الإمام: «يؤجل لقائي به إلى حين اتخاذ موقفه الصريح تجاه الحكم الملكي والوضع الراهن في الحكومة. فبعدما أرى وأقرأ موقفه الصريح، عند ذلك أكون جاهزًا للّقاء به».

فوافق سنجابي على ذلك. إن سبب  إصرار الإمام على اتخاذ الموقف الصريح من قبل السيد سنجابي تجاه الحكم الملكي الپهلوي هو أن السيد سنجابي أجرى مقابلة صحفية في طهران قبل سفره إلى پاريس. فقال فيها: «إن الأمر المهمّ لديه  هو الديمقراطية والحرّية. أما نوعية النظام فليس بقضية يعتنى بها؛ سواء أكان ملكيّا أم جمهوريّا.» كان هذا الشعار شعارًا مترقّيا ورائدا في خضمّ أحداث النضال الوطني بقيادة الدكتور مصدق، إذ كانوا يقولون: «فليكن الملك سلطانًا لا حاكمًا». ولكن في عامَي 1978و 1979 كان يعدّ هذا الشعار تزويرًا وتحريفًا للثورة، إذ كانت الخصومة في أصل السلطنة والملكية. وفي مقابلها طرحت الحكومة الإسلامية. فكان هناك نفي كامل للحكومة الپهلوية وأي حكومة أخرى ما عدا حكومة الإسلام.

على أثر ذلك، أعدّ الدكتور سنجابي بيانًا[1] بثلاث فقرات، وسلّمه إلى الإمام عبر السيد مانيان. قرأ الإمام البيانَ ولكنه غيّر في بعض فقراته. أحدها هو أنه أضاف كلمة «الاستقلال» في الفقرة الثالثة من البيان. و أصلح في مواضع أخرى أيضا ثم طالب الدكتور سنجابي بتوقيعه. فوقّع الدكتور سنجابي البيان وقدّمه إلى الإمام. بعد ذلك قال: «لا بأس؛ بإمكان السيد سنجابي أن يتفضّل.»

فقُرِّر أن تعقد جلسة بحضور السادة إشراقي، مهديان، أحمد سلامتيان، الدكتور يزدي، الحاج مانيان و الإمام. عقدت الجلسة وتكلم فيها الإمام. لم ينطق السيد سنجابي بأكثر من كلمة أو كلمتين، وإذا الإمام مسك بزمام الحديث وقال: «إنكم تعرفون التاريخ وعلى معرفة بما جرى في الماضي. لقد أضحى الملك (الشاه) في أوضاع جعلته يتشبّث بهنا وهناك ليبقى. فإذا تعلّلنا أو تراجعنا أو أهملنا، سيحدث انقلاب 28 مرداد آخر وسيقضون علينا جميعا. إذن فلا بدّ أن تحسموا الأمر ولا بدّ للنظام الملكي أن يسقط، ولا بدّ لهذا الحكم الذي كان غير شرعي منذ الأول أن يزول.»

بعد ما أتمّ الإمام حديثه، لم تكن للسيد سنجابي كلمة يقولها. وحينما أراد الذهاب، قال للإمام: «سيدنا هل أنا مؤذون بأن أعلن هذا الموقف في طهران؟»

فأجابه الإمام: «بإمكانك أن تعلنه من هنا.»

فمباشرة وقع نص البيان بيد المراسلين، فأطلقوا ضجّة إعلامية كتبوا فيها عن: «ائتلاف قائدين كبيرين». إذ كانوا يعدّون الجبهة الوطنية أقوى وأكبر حركة سياسية في إيران.[2] 

 

[1]. أنا كتبت نصّ بيان الدكتور سنجابي. وهو كما يلي:

بسمه تعالى

الأحد، 14 ذي الحجة 1398، 14 آبان 1357

1ـ السلطنة الحالية في إيران ولما تمارسه من نقض القوانين الأساسية ومباشرة الظلم والعدوان وإشاعة الفساد والاستسلام لسياسات القوى الأجنبية، هي فاقدة لأي قاعدة قانونية وشرعية.

2ـ الحركة الوطنية الإسلامية في إيران لا توافق على أي نمط من أنواع الحكم مع فرض وجود بقاء السلطنة غير الشرعية.

3ـ نظام الحكومة الوطنية في إيران، يجب أن يعيّن وفق معايير الإسلام والديمقراطية والاستقلال وعبر الرجوع إلى رأي عامّة الناس.

الدكتور كريم سنجابي

[2]. المصدر: ذكريات حجة الإسلام والمسلمين هادي غفاري (بالفراسية)، مكتب أدبيات الثورة الإسلامية، الطبعة الأولى، طهران، الحوزة الفنية، 1374، ص329. 

 

النص فارسي



 
عدد الزوار: 2219


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة