إلقاء نظرة على كتاب "قاتلت من أجل السلام"

التاريخ الشفوي لأصغر أحمدي

فريدون حيدري مُلك ميان
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2022-1-27


يبدأ الكتاب بتأكيد من الراوي بنص خطي. والصفحة التالية مخصصة لتعريف وتقديم الكتاب. ثم جاء دور الفهرس، يليها تمهيد لمدير عام حفظ الآثار ونشر قيم الدفاع المقدس في خوزستان، ومقدمة منظمة وثائق الدفاع المقدس، وحديث مع القراء بقلم مدون الكتاب. يتكون نص الكتاب من أربعة عشر فصلاً، وتشمل الملحقات النهائية صوراً ملونة بجودة مقبولة مع وصف موجز ومفيد.

(الرجل الصغير) هو عنوان الفصل الأول. يقول الحاج أصغر أحمدي إنه منذ ولادته في الأربعينيات من القرن الماضي، هاجر والداه من قرية باردة وجافة في أطراف همدان إلى مدينة آبادان الحدودية والصناعية. في ذلك الوقت، جاء الكثير من الناس إلى آبادان من مدن مختلفة للعمل. في العام الماضي، ولد شقيقه عباس في نفس المدينة، لكن الأسرة كانت متوسطة ومتدنية من حيث سبل العيش. عندما ولد الأطفال، أصبحت حياتهم أكثر صعوبة. كان والده حارسا.  في تلك الأيام، كان هناك ساتر حول مصفاة آبادان بدلاً من وجود سور. بقي الوالد طوال الليل وعمل حارساً، ولكن بعد ذلك كان عليه أن يعمل لكسب الرزق، مثلاً بيع الفحم، وبيع اللحم المشوي والشاي، وبيع المنتوجات اليدوية، و...إلخ.. كان أصغر يساعد والده منذ أن كان في السادسة من عمره. على سبيل المثال، يتم تعبئة الفحم الذي يصل من مدن أخرى في أكياس مع والده ونقله في عربات إلى منازل شركة النفط. عندما ولد شقيقه الآخر قاسم، كان لا يزال يعيش حياة صعبة ولم يكن دخله يعول أسرته المكونة من ستة أفراد. كانوا لا يزالون في نفس الغرفة المستأجرة، حيث ينتقلون من منزل إلى منزل آخر في كل عام. يذكر الراوي ذلك الوقت بجملة "كنا نعتاش كالعصافير"، حقبة شهدت جيداً كيف حاول الوالد أن يوفر قوت يوم عائلته. ومع ذلك، واجهتنا العديد من الصعوبات. في تلك الأيام، كان التلفزيون جهازاً فخماً للغاية وكان حلمنا هو الحصول عليه. لمشاهدة التلفاز، كنا نذهب إما إلى منزل الجيران أو نشاهد التلفاز أحياناً في ساحة الجيران من خلف السطح. كان طعامنا أيضاً بسيطاً جدا. نأكل الأرز فقط في المناسبات.

عندما كان مراهقاً، وقع في حب كرة القدم. كل ما أراد فعله هو مساعدة والده، والحصول على إذن للذهاب إلى ملعب كرة القدم لاحقاً، لكن والديه كانا صارمين بعض الشيء وقالا يجب أن يدرس. في الواقع، كان عليه إما أن يدرس أو يساعد والده، لم يكن للرياضة مكان. عندما ذهب الراوي إلى المدرسة الإعدادية، تحسن الوضع المالي لوالده قليلاً واشترى كشكاً. كان كشكا صغيرا، ولكن عندما كنت طفلاً اعتقدت أننا اشترينا أفضل متجر في المدينة وكنت سعيداً لأننا تقدمنا خطوة واحدة إلي الأمام بالطبع، كنا لا نزال مستأجرين في نفس الغرفة. ولد جعفر أيضاً وأصبحنا 7 أشخاص. لكننا ما زلنا غير قادرين على استئجار غرفتين. باختصار، وبعد شراء الكشك، شعرت أنّ لدينا شيئاً ذا قيمة كبيرة. استمتعت كثيرا. كان شراء هذا الكشك نقطة تحول في الحياة الاقتصادية لعائلتنا بيعت الأحذية لفترة من الوقت. بمساعدة والده، كان يضع الأحذية في البلاستيك ويضعهما في الكشك. ثم يقف بفخر ليشاهد الناس يأتون لشراء الأحذية، لكن والده لم يتوقف عند الكشك واستمر في حراسة مخازن الأخشاب والفحم وأدوات الحديد في الليل.

دخل أصغر مرحلة جديدة من الحياة عندما انتهى من المرحلة المتوسطة. كتب والده اسمه لامتحان دخول شركة النفط. تم قبوله وبعد عامين من التدريب، تم تعيينه في المصفاة. كان الأمر كما لو كانت الحياة تظهر وجهها الطيب ... "عندما أُعطي ظرف راتبي الأول كما لو كنت أسير على السحاب ".عندما فتحت الظرف شعرت وكأنني أفتح صندوق الكنز. كان هناك عدد قليل من الأوراق النقدية. أخذتهم جميعاً إلى المنزل ... "منذ ذلك الحين، أخذ ثلث راتبه لنفسه  وادّخره وأخذ الباقي إلى المنزل. شيئاً فشيئاً، وعندما شعروا أنّ بإمكانهم امتلاك منزل خاص بهم، قاموا جميعاً بتجميع مدخراتهم، واشتروا قطعة أرض، وساعدوا بعضهم البعض في بناء منزل لأنفسهم. في النهاية، وبعد سنوات، ارتاحوا من تأجير المنازل وانتقلوا إلى منزلهم.

كان العام 1978م عبارة عن ذروة المظاهرات والمسيرات. كانت شركة النفط في حالة إضراب. كما وصل إلى آبادان الاعتصام الذي على طول البلاد. كان صوت الثورة قادماً. كان هناك حدث عظيم في الطريق، والذي تناوله الراوي في الفصل الثاني من الكتاب. أثناء عمله في قسم الإصلاح في مستشفى شركة النفط، أصبح على دراية بمصطلحات مثل الثورة والإمام والمظاهرات والمسيرات والحكومة الإسلامية.

في صيف عام 1978م، أصبحت المدينة مزدحمة للغاية. عندما اشتعلت النيران في سينما ريكس في أغسطس وأحترق ما يقرب من 500 إلى 600 شخص، هتف الناس ضد الشاه بغضب وكراهية، سواء أمام السينما المحترقة أو في المقبرة، عند دفن الجثث. على الأقل كان قد دخل في الموجة الثورية للشعب. وردت تصريحات الإمام الخميني وسُمعت أخبار جديدة. في بعض الأحيان، كانت المنشورات التي تم توزيعها في تجمع المستشفى مدسوسة في جواربه وتؤخذ إلى المنزل لقراءتها وتقديمها للأصدقاء والجيران. بمرور الوقت، أصبح أكثر وعياً. لقد نأى بنفسه عن ملذات السنوات الماضية. فكر في مفهوم الثورة والإمام (رحمه الله) والحرية. ظهر تدريجياً في المظاهرات والمسيرات. حتى أنه تم اعتقاله مرة واحدة واحتجازه في مركز الشرطة، حيث تم الإفراج عنه أخيراً بوساطة عمه، الذي كان نقيباً في الجيش آنذاك.

مع انتصار الثورة وبعد أن أمر الإمام (رحمه الله) بوقف الإضرابات وبدأت شركة النفط عملها، عاد إلى العمل والتحق بشباب المصفاة المذهبيين والثوريين وشكلوا معاً جماعة حزب الله آبادان. لكن مع تقدم الثورة، ازداد نشاط مجموعات المعارضة. كانت الأيام الأولى أكثر هدوءاً، ولكن عندما تم إجراء الاستفتاء وتأسيس الجمهورية الإسلامية وكانوا مقتنعين تماماً بأنه لا مكان لهم في الحكومة، تغير لون ورائحة أنشطتهم وعارضوا ذلك، ولكن من أجل العمل ضدهم، شعر أصغر أنه مبتدئ: كنت في أول الطريق. كان الأمر كما لو أنّ النضال بالنسبة لي قد بدأ بعد الثورة. لم يكن لدي الكثير من الإلمام بالقراءة والكتابة الثورية، كنت أفتقر إلى المناقشات الأيديولوجية. كنت آخذ الكتب لأقرأها وأرفع معرفتي وأكون قادراً على الرد على شبهاتهم. كانت قراءة الكتب تستغرق وقتاً طويلاً. كنت أرغب في الحصول على نتائج عاجلة. ..

مرّ ما يقرب من عام على الثورة حتى ظهر "خلق عرب" في آبادان وبدأت حركات مسلحة وعدوانية ضد الثورة. تبعهم الحرس الثوري الإيراني واللجنة الثورية واعتقلوهم. اعترف العديد من المعتقلين بأنهم حصلوا علي قنابل متفجرة من العراق. كان واضحاً أنّ الدولة المجاورة كانت تناور على الحدود وتناقش قرار الجزائر. كان صدام معادياً للثورة ولإيران، وأثار أحياناً اشتباكات حدودية.

في الفصل الثالث يتطرق الكاتب إلي ضيف غير مدعو في يوم الاثنين 22 سبتمبر1980. بدأ العراق الحرب رسمياً بقصف مطارات البلاد. عبر الحدود وتقدم خطوة بخطوة. أصبح العمل في شركة النفط شبه متوقف. غادر العديد من عمال المصافي المدينة مع عائلاتهم. كان والد أصغر قد أرسل أيضاً أمه وأطفاله إلى أقاربه في همدان، وكان هو نفسه يحزم أثاثه للاستعداد للمغادرة، لكن أصغر لم يرغب في المغادرة: قرر البقاء. لا يمكنه أن يترك مسقط رأسه، التي كانت الآن ترزح تحت نيران العدو.

مع عدد من اليافعين المتطوعين، وبعد التدريب الأولي، اجتمعوا في المسجد وبقيادة أحد أبناء الحرس الثوري تمركزوا في ساحة المطار. بعد شهر، كان الوضع في المدينة فوضوياً بالكامل. تم قطع المياه والكهرباء وإغلاقها في كل مكان. غادر معظم الناس المدينة. كما تم إغلاق المصفاة وكانت المدينة في حالة حرب كاملة.

يبدأ راوي الفصل الرابع في 30 نوفمبر 1980: أعلن راديو آبادان دون مقدمة أنّ العراقيين يعتزمون دخول المدينة من جبهة ذوالفقاري وأي شخص يمكنه الذهاب إلى هناك بأي وسيلة للمساعدة فليذهب عاجلاً للدفاع عن الوطن ..." في هذا الفصل ومع ملحمة المقاومة نلتقي بأشخاص وصلوا بطرق غريبة، حتى من مناطق أخرى، إلى منطقة الصراع لتسجيل اسم ذو الفقاري إلى الأبد باسم المقاومة الشعبية. أصبح خط الدفاع الذي تم تشكيله وأنشطة أصغر وأمثاله ممن كانوا يعتبرون قوات الشعب أكثر رسمية. كانوا مجموعة كاملة. من 10 إلى 15 شخصاً. تم منحهم السيطرة على جزء من خط جبهة ذوالفقاري. كان أصغر يتحول ببطء إلى محارب حقيقي.

في الفصل الخامس يصل الراوي إلى نهاية 1980 بالحرب. مرت ستة أشهر على الحرب، وكان من المخطط إرسال جزء من مجموعتهم إلى كتيبة المهدي (عج) للتدريب على المدرعات والعمل بالدبابات. بعد التدريب، أعطوا كتيبتهم مهمة جديدة. كان عليهم الذهاب إلى خرمشهر. كان طريق خرمشهر - الأهواز تحت السيطرة العراقية ومن هناك جهز جبهاته، لكن بعد فترة كان من المقرر أن يتوجهوا إلى آبادان بدباباتهم للمشاركة في العملية. كان هناك حديث عن عملية كبرى. الجميع يعرف أنها كانت عملية مؤكدة. فقط يومها وتوقيتها كانا غير معروفين. كما تعلم الناس العاديون من حركة القوات في جميع أنحاء المدينة وحركة المعدات أنّ العملية كانت ستتم. حتى العراق أدرك أنّ ثمة أخبار قادمة. لقد رسم خطوطًا لنا على أجهزة الراديو الخاصة به. كان الجميع ينتظرون سماع الأخبار الكبيرة. "فك حصار آبادان".

الفصول من السادس إلى الثالث عشر هي وصف العمليات التي يتم إبلاغنا عنها بلغة الراوي: ثامن الأئمه (الذي تم فيها فك الحصار عن آبادان)، وفتح المبين (تشكل إيران والعراق خط دفاع في نهاية العملية في منطقة جنانة)، القدس (خلال ذلك الوقت، تم تحرير خرمشهر)، رمضان (حيث جُرح بإصابة شظايا قاذفة)، خيبر (قذيفة مدفعية عراقية أصابت ردهة سائق الدبابة، واحترقت أنابيب الديزل، و أصغر أغمي عليه واحترق في الدبابة)، عملية بدر، في نفس الوقت الذي تزوج فتاة من أقاربه الذين لم يعراضوا ذهابه إلى الجبهة)، والفجر ثمانية (على الرغم من انسحاب القوات، لا يزال هناك العديد من المرافق المتبقية في المنطقة وكربلاء الخامسة (التي كانت من أكثر العمليات حساسية خلال الحرب وغيرت مجرى الحرب).

يتناول الفصل 14 اعتماد القرار. وبالرغم من انتهاء الحرب عملياً، ظل الحاج أصغر أحمدي في موقف الدفاع حتى عام بعد اتخاذ القرار: انتهك العراق من حين لآخر وقف إطلاق النار وأطلق قذائف الهاون. أجبناهم أيضا. كان وضعنا بمثابة دفاع في زمن الحرب. كنا مستعدين. أصبح عملنا أخف من ذي قبل وكان الكثير في إجازة. كان الناس يعودون رويدا رويدا إلى مدنهم.

حاورت وجمعت كتاب "قاتلت من أجل السلام" مرجان درودي وفهيمة أحمدي (إبنة الحاج أصغر أحمدي) على التوالي. تم نشر الطبعة الأولى من الكتاب في عام 2021م من قبل مؤسسة الحفاظ على الآثار ونشر قيم الدفاع المقدس، في 257 صفحة و 1000 نسخة.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 1621


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة