مقطع من مذكّرات الحرب اليوميّة لآية الله جمي

المترجم: مقدام باقر

2023-11-5


1980/10/27

صبيحة يوم 1980/10/27، كان يومًا عجيبًا لا ينسى. سقطت خرّمشهر واستقرّت قوّات العدوّ في أرجاء المدينة. خسرنا ميناء خرّمشهر الجميل والمهمّ بما كان يحظى به من مواقع استراتيجية مهمّة. غادر أبناء خرمشهر المدينة شيئا فشيئا منذ حوالي شهر، ولكنّهم لم ينقلوا معهم أثاث بيوتهم. فكانت البيوت مكتظة بالأثاث والأشياء الثمينة. دائرة الگمارك، ودائرة ميناء خرمشهر، وماذا أقول؟ لقد سقطت خرمشهر بما فيها من مليارات الثروات نُهبةً بيد الجيش العراقي ويا ترى ماذا سيفعل بالمدينة؟ وأما الغصّة الموجعة هي أنه سمعنا أنّ بِضع بنات مسلمات كنّ يخدمن في الجبهة أصبحن سبايا بيد الجيش العراقي.

افتتحت يومي بهذه المآسي الدامية والموجعة. و يا ترى كم يُرجى من خرمشهر أن تصمد وإلى متى؟ منذ أربعين يومًا وقد صمدت هذه المدينة في منتهى الشدّة، وما أكثر الدماء التي قدّمتها! من العجائز والشَّيَبة والأطفال الصغار الذين لقوا حتفهم تحت ركام الأنقاض، إلى الشباب الأعزاء والأبطال الثوريّين الذين تهشّمت أحشاؤهم وجماجمهم على يد وحوش الجيش الصدّامي. وليت شعري ما أسمى أرواحَهم وما أثبت عزائمهم وأي ملحمة جسّدوها وأي تاريخ سجّلوه ممّا سيبقى مشرقًا كلؤلؤة في كبد التاريخ. مما لا شك فيه ولا ريب يعتريه إن قصّة خرمشهر وصمودها قصّة قل نظيرها في تاريخ المعارك وقصص التضحيات، إن لم نقل بأنها منعدمة النظير.

فلنفكّر قليلًا: مدينة غير عسكرية يشنّ عليها جنود الشيطان غارة مفاجئة من دون سابق إنذار، ويهاجمها العدو ضاربًا بكل موازين الحرب وأصوله عرض الجدار عن طريق البرّ والجو، ثم تقف هذه المدينة صامدة شامخة بوجه هذا العدوّ المدجّج بالسلاح، وتمنعه من اقتحام المدينة شهرًا! مرحى لخرمشهر وشموخ أبنائها الذين جسّدوا مشاهد الفخر والمجد بدمائهم ولقّنوا أحرار العالم درس المقاومة والصمود وعلّمونا نحن القاعدين معنى الحياة. علّمونا بأنه ليس بالفنّ أن يبقى المرء في دار الدنيا ويتنفّس فحسب. وليس بإنجاز للمرء أن يطعم ويشرب بضعة أيام في دار المحن هذه، ثم لا يزداد إلا سمنًا ولا يرى سوى الدجل والخداع. إنها ليست بالحياة، وإنما هي الشقاء بعينه. وإنما الحياة هي التي اختارها أولو الهمم  السامية من هؤلاء الأحرار. هكذا فعلوا وذهبوا، ولكنّهم بقوا خالدين إلى الأبد أحياءً شامخين.

وها أنا الآن يخامرني حزن يَثقُل كالجبل على فؤادي، ويعصر روحي ويحزّ في نفسي. وهو حزن فقدان هؤلاء الشبّان الأحباء من أبناء القرءان والمساجد، هذه الفسائل النضرة التي كانت ثمارَ الإسلام ونتاج القرءان والمساجد. فما أكثر الذين تجرّعوا مرارات المحن ليترعرع هؤلاء الشباب، واليوم قد فقدناهم جميعا. ولكن ما أروعه من ذهاب! إنها مغادرة العشّاق! فروحي فداء لشمعة الحق والفضيلة المشرقة. وهؤلاء أحياء؛ أحياء خالدون.

أجل؛ ذهبوا جميعًا من أجل بقاء مدرستنا وحفظها؛ من أجل بقاء الإسلام والنهضة الإسلامية المقدّسة.

نعم، كان عملهم حسينيّا وقد جسّدوا صور كربلاء مرّة أخرى. ولكن اللوعة التي تحرق القلب والألم الذي يضرب النخاع هو أنه بعد كل هذه التضحيات وتقديم كل هؤلاء الشهداء والجرحى والخراب والدمار، سُلِبت المدينة من أيدي أبناء القرءان ووقعت تحت وطء أبناء يزيد، مع أنه كان يمكن الحيلولة دون وقوع هذه الخسارة. لقد أضحت خرمشهر على وشك السقوط سبع مرّات وقد أنقذها هؤلاء القوّات المضحّون، وفي كلّ مرّة علا صوتهم وصراخهم بأننا ومن أجل قمع العدو بحاجة إلى دعم وقوّات مساعدة، ونحن بحاجة إلى مدفعية تحمينا. ولكن للأسف لم تُحمَل واعيتُهم على محمل الجدّ ولم يُسعَفوا إلا بكلمات الوعد الفارغة وما دُعِموا إلا أن قيل لهم قاوموا حتى وصول الدعم. كانوا يعدوهم بأن قاوموا 72 ساعة أو 48 ساعة أو حتى 24 ساعة حتى وصول القوّات المساعدة. ذات مرّة اتصلت برئيس الجمهورية (أبو الحسن بني صدر) شخصيّا، فقال: اصمدوا 48 ساعة لتصل القوّات المرسلة، ولكن خرمشهر قد صمدت بدلا من 72 ساعة أو 48 ساعة أربعين يومًا وبكل بسالة، ودحرت الجنود الجدد والمدجّجين بالسلاح من الجيش الصدامي. ولكن وا أسفاه إذ خُذِل المجاهدون ولم يأتهم خبر ولا أثر من القوات المرسلة، والأفجع والأوجع من ذلك كله هو أنه أرى الجندي الكوماندوز، والحارس البطل، والقوّات المقاتلة قد فقدوا معنويّاتهم وأجمعوا على أنهم لا يقدرون على أن يواجهوا القنابل والقذائف بالبنادق. والحق معهم، إذ قال تعالى: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‌ عَلَيْكُم‌). ولا تزال الجهات العليا تَعِدنا بكذا وكذا ولكننا على ثقة من أنها وعود فارغة لن يفوا بها.

نعم، هكذا أصبحت اليومَ. فؤادي متلاطم من تصوّرات وتخيّلات وأفكار شتّى: أفهل ستسقط عبّادان بعد قليل؟ وماذا سيحلّ بدزفول وبالخصوص أهواز بعدها؟ أم سيشملنا اللطف الإلهي، وحقيقةُ هذا الرجل (إمام الأمة) ستنجّي الثورة مرّة أخرى؟ فكلّنا بانتظار العنايات والألطاف الغيبية الإلهية.

في الساعة السادسة صباحًا فتحت إذاعة صوت أميركا. كانت تحلّل نبأ سقوط خرمشهر بكل حماس وتفاعل. السادة موسوي ومحمدي وصداقت من علماء خرمشهر، شدّوا رحالهم ليغادروا عبّادان. السيدان موسوي ومحمدي قصدا مدينة ماهشهر، والسيد صداقت ذاهب إلى بوشهر. ودّعوا ورحلوا. فليكن الله بعونهم إذ قد انهال عليهم ركام هائل من الآلام. كتبت اليوم رسالة مفصّلة إلى الإمام وسلّمتها بيد السيد جوادي، من مسؤولي الحرس الثوري، إذ كان قد قصد الذهاب إلى طهران، وقد شرحت فيها الأوضاع بالتفصيل.

حوالي الساعة العاشرة صباحًا ذهبت إلى فوج الدرك (غرفة الحرب). كان نشاطهم وحيويّتهم لا بأس به، ولكن كانت معنويّاتهم هابطة جدا وقليلا ما رأيت حالة التأهب للحرب فيهم. تحدّثت إلى بعضهم قليلًا وتحنّنت عليهم بكلمات العزاء والمواساة. كان قائد العمليّات جيدا. فكان ساعيًا لتجميع القوات وضبطهم. جلست معه بالحديث ثم ذهبت إلى غرفة المذياع. وكان لقائي بالشباب الإعلاميين الناشطين في المذياع ممتعًا.

رجعت إلى بيتي في الساعة الحادية عشرة. لبثت في البيت حتى الساعة الثانية عشرة، ثم ذهبت كعادتي إلى المسجد لإقامة الصلاة. [1]

[1] المصدر: كاظمي، محسن، نوشتم تا بماند (كتبتها لتبقى)، طهران، سوره مهر، 1386، ص90.  

 

النص فارسي

 



 
عدد الزوار: 888


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة