مذكرات الأسير عزيزالله فرخي- القسم الثاني
العراقيون: كنّا أسراكم!
حاوره: مهدي خانبان بور
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2016-8-18
في القسم الثاني من حوار عزيزالله فرخي، يكشف فيه عن وجه آخر من الأسر والحرب المفروضة، حيث تحدث في القسم الأول عن الخطوة الأولى له في دخول ساحة الحرب.
دعنا نذهب الى الأمام قليلاً، تجد بهبود وتعود الى الجبهات. متى تمّ أسرك؟
في أكتوبر 1983، بالطبع لم تتحسن حالتي الصحية. لأني أصبت في كلا رجلي، وطال الوقت لكي تتحسنا. وأصبت بكسور كثيرة. وحين استطعتُ ارتداء حذائي، سرتُ. والآن لا يمكنني ارتداء حذاء قاسي. في ذلك الزمان حشرتُ رجلي في الحذاء وقلتُ يجب أن أذهب. في أكتوبر 1983 وفي عمليات والفجر 4 أصبتُ مما أدى الى أسري.
متى عدتَ الى الوطن؟
في 1990 مع بقية الأسرى.
أي سبع أعوام. أي أنكَ قضيتَ شهر رمضان ستة مرات أو سبع مرات...
ولأنّ الطعام كان قليلا، كنا في معظم الأوقات صياماً. الكثير من الشباب يصومون إضافة على شهر رمضان. وهم من لم يصب في البطن أو إصابته خفيفة. لأن الطعام لم يكن في القدر الذي يشبعنا. وكنتُ في حاجة بعد إصابتي الى إعادة جسدي لطبيعته ولكني رغم ذلك كنتُ أصوم. وكانت عملية الصيام مفيدة. أي إضافة الى عدم وجود الطعام بكثرة، فقد ساعدنا على رقي الحالة المعنوية. حين تنقطع كل السبل بكَ هناك نقطة أمل في الأعلى. أنتَ محاصر من كل جانب وتعمل نقطة الأمل تلك بصورة جيدة وهي العبادة. أي أملكَ في الله. يحضر الشباب ساعة الإفطار ما لديهم. من الأمور الجميلة التي حدثت لنا في شهر رمضان، في بعض المرات يقدمون وجبة واحدة طوال اليوم، وفي مرات يقدمون ثلاث وجبات دفعة واحدة. ويمكننا الخروج في هذه الحالة لرؤية السماء، كنا نتناوب على الخروج، ويحدث أن يرى الشخص الواحد السماء عدة مرات، لأنّ الأواني كثيرة. أكثر الأسرى من الشباب وقلّما تجد بيننا كبارى في السن. كنّا ننشغل بالصلاة وقراءة القرآن وصلاة الليل. ومن يتأخر يتوضؤ بمقدار كوب ماء، وفي نهاية الزنزانة وضعت ستارة وسطل. كانت الأوضاع صعبة جدا. حاول العدو كسر معنوياتنا، مثلا أن تقضي حاجتك أمام صحبك خلف ستارة وهو أمر سيئ جدا. لكن المعنويات كانت عالية والعدو البعثي الذي تخصص في التعذيب والتعذيب النفسي لم يستطع فعل شئ.حتى جاء الوقت، في نهاية الأسر، ليخبرونا أنهم كانوا أسرى لنا. جاء أحدهم باسم غانم وقال لي: "عزيز! والله عزيز، نحن أسراكم." كانت أمراً لافت بالنسبة لي. لم أتوقع أن يعترف أحد منهم بذلك. كانت الساعة الواحدة والنصف. وكنتُ المسؤل عن الخفر الليلي في الزنزانة. ضحكتُ وقلتُ له: "في أي لحظة تودون فيها الضرب ضربتهم وجوعتمونا وتركتونا عشى، أدخلتمونا في السسجن الانفرادي، بعد كل هذا تقول نحن أسراكم؟ أي أسير أنت؟ أنتَ الآن في الخارج ونحن في الداخل." قال: "صحيح ما تقوله، ولكننا لم نستطع في يوم الوقوف أمام ما تقومون به. مهما منعناكم، قمتم بما تريدون. نطلب منكم عدم الدعاء فتدعون، لا تلطموا فتلطموا، لا تصلوا جماعة وتصلون؟ أي سجانين كنا؟ فعلتم كل ما تودون، إذن نحن الأسرى لا أنتم." وجدتُ أنّ ما يقوله حقيقة. وقال أعجب من ذلك: "يا عزيزي سأعود لمكاني، فقد لمحوا لي قائلين يا غانم بتَ حزب اللهي." قلتُ: "ياه كم هم خبثاء أن يتهموك بمثل هذا." قلتُها وأنا أضحك. كان هذا من أثر حركات الشباب وتدينهم. توقعوا من مجموعة من الشباب، 60-50 شخصا، ومع قلة النوم والطعام والمكان، أن يدخلوا في مشاجرات وحروب، لكن لم ترتفع صرخة لماذا؟ لأنّه ليس في أذهان هؤلاء الشباب غير العبادة.
في شهر رمضان تجمعنا كلنا سفرة واحدة، وطوال العام لا تنقطع صفوف القرآن ونهج البلاغة. أتذكر جيدا في أول أيام أسرنا كنا نملك في المنام قرآنا واحدا. ترجمو المرحوم إلهي قمشه إي. وضعناه في الأعلى. ولا تجده في المكان المخصص له. كان دائم التحرك بين الأيادي. كنا نتناوب على قرائته كل عشرين دقيقة، بين 58 شخصا، وقد يصل دورك في منتصف الليل. يوقظك من كان يقرأه ويقول لك: "لقد حان دورك، هل تقرأ؟" إما أن تنهض وتقرأ أو تخبره أنك تستريح. أتذكر أني في اليوم الواحد أقرأ خمس أجزاء، أي أني أختم القرآن كل ستة أيام. والأكثرية كان حالها هكذا.
في أي معسكر كنتَ؟
أول معسكر كان عنبر، في محافظة الرمادي. بعد سنتين أخذوني الى الموصل. كنت 13 شهراً هناك. ومن الموصل، أخذونا لكي يدخلونا الى إيران. كنا في قائمة 400 من المجروحين تتم بهم عملية تبادل الأسرى.
في زمن الحرب؟
لا بعد نهاية الحرب. دخلتُ قائمة تبادل الأسرى عدة مرات، منذ العام 1983، بسبب الجروح التي أصبت بها. كنتُ أقبل من قبل الصليب الأحمر لكن القادة العراقيين يرجعوني، يقولون: "هذا ليس انسانا جيدا، عليه البقاء في الأسر." كان الجرنال نظر، مسؤل ملف الأسرى، في إحدى المرات أخذوني الى غرفة، في العام 1985، جلس وفد الصليب الأحمر على جانب والعراقيون في الجانب الآخر. والجنرال نظر في صدر المكان. ولأني كنتُ في المعكسر كثير النشاط، ما إن دخلتُ، انحنى الجندي وهمس في أذن الجنرال. لم أكد أصل للطاولة بعد إذ تناهت صرخته: "أخرج!" إستدرتُ وخرجتُ. إستمر في الصراخ عليّ لكني لم أعتني به. كنتُ في قوائم تبادل الأسرى على عدة أعوام. حتى جاءت قائمة العام 1988 وتشمل 400 أسيرا، بقينا منا 80 أسيرا وكنتُ منهم. عدنا من منفى بغداد الى الرمادي واشتد العذاب النفسي علينا. بقينا هناك لشهر ونصف. كنا 40 أسيرا. كنا الأخريين وعنا للوطن بعد 20 شهرا من موعد عودتهم.
كنتُ المسؤل عن المنام وبيننا وضعيات حرجة يحتاجون الى مراقبة لأكثر من شخص.
ما هي أسباب وجود مراقبين ؟
هناك من حالته النفسية غير مستقرة، يجب أن يغسل الثياب شخص، الدواء يعطى حسب الوقت.
هل أصيبوا مثلا بحالة نفسية؟
نعم، البعض منهم بالوراثة وظهرت الأمراض النفسية مع تراكم المصاعب أو ولدت هذه الحالة مع الأسر. مثلا هناك خمس حالات بين مجموع 1200 أسيرا. قبل ذلك كانت السيطرة عليهم أسهل، ولكن حين يأخذوهم ليرحلوهم الى بلادهم ثم يعودون تتازم الحالة، كان معي في المنام 16 شخصا والبقية مصابين بأزمة قلبية أو مقطوعي الأرجل والأيدي. تخيل كان عليّ القيام بعمل 100 شخص. إضافة لذلك كنتُ أدرب الشباب على الكونفو، كنتُ أدرب 350 أسيرا على الكونفو.
حين دخولنا الى المعسكر كان الأوضاع غير مستقرة. أكثر الأسرى صغار في السن. عزلوهم لكي يسيطروا عليهم. كان دخولنا من فعل الله. لم يكن من المقرر وصولنا، ما الذي كان سيحدث لهؤلاء الشباب لو لم نصل لهم؟ كنا نأتي لهم كل يوم ونتحدث معهم ونحثهم على الرياضة. في أحد الأيام ضحكتُ من كل قلبي، في اليوم الذي سبق عودتنا الى إيران، العام 1990. جاءني أحد الشباب، كنتُ أختار من كل منام التلميذ الأفضل ليكونوا مؤثرين بعدي. جاء الى المنام وقال مرتبكاً: "الحمد لله، على الأقل علمنا حركات الخط 4، سوف نعود غدا لإيران..." قلت له: "يا رجل، كان الأمر مزحة، خدعتُكَ على مدى ثلاث أعوام، ستعود الى إيران وافعل ما يحلو لك،غدا سنعود، وأنت تطلب هذا الأمر؟" فلتلاحظ أن كان العقل منشغلاً،هذه إرادة الله، كانت عقولهم منشغلة باليوم القادم وأي حركة جديدة سوف يتعلمونها. الجميل أني كنتُ بنفسي أتعلم في الأسر هذه الرياضة. مرّ علينا رمضان مرتين، والأوضاع كانت صعبة، في إحدى المرات تسمم طعامنا ، لأننا أجبرنا على وضع الطعام في البطانيات لكي يبقى دافئا، فلو برد لن نستطيع اعادة تدفئته. كان الوضع صعباً.
عدد الزوار: 4501
جديد الموقع
الأكثر قراءة
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.